تحولت ظاهرة دفع "الإتاوات" (الحماية القسرية) خلال السنوات الأخيرة إلى مشكلة وطنية في إسرائيل، مما دفع منظمة المقاولين والبنّائين في منطقة تل أبيب والمركز إلى إجراء مسح داخلي شمل حوالي 450 مقاولًا ومطورًا عقاريًا من مختلف أنحاء البلاد، لفحص مدى انتشار الظاهرة وتأثيرها على قطاع العقارات. ووفقًا لنتائج المسح، فإن البيانات تكشف عن أرقام مقلقة. حيث أظهر الاستطلاع أن حوالي 87% من المقاولين والمطورين في البلاد طُلب منهم دفع إتاوات في مواقع البناء.

عصابات الجريمة تفرض "حماية" قسرية
تشمل هذه الظاهرة قيام عصابات الجريمة المنظمة وجهات إجرامية أخرى بمطالبة أصحاب المشاريع بدفع مبالغ مالية مقابل "حماية" مواقع البناء أو المحلات التجارية أو المزارع من الأضرار التي قد تتسبب بها تلك العصابات نفسها. وتتنوع أساليب التهديد بين ترك زجاجات وقود مشتعلة أمام المواقع، أو مكالمات هاتفية تهديدية، أو حتى تهديدات مباشرة لأصحاب الأعمال وأفراد عائلاتهم.

في إحدى القضايا الأخيرة، تم القبض على رئيس منظمة الجريمة التابعة لعائلة "أبو لطيف" للاشتباه في محاولته اغتيال المطور العقاري إسحاق تشوفا، مما يؤكد تصاعد هذه الظاهرة وتأثيرها المتزايد على الاقتصاد الإسرائيلي ككل.

الظاهرة تمتد في جميع أنحاء إسرائيل
وفقًا للمسح، فإن هذه الظاهرة لا تقتصر على منطقة معينة، بل تمتد عبر جميع أنحاء البلاد:
32% من المقاولين ذكروا أنهم تلقوا مطالب بدفع إتاوات في منطقة الوسط.

21% في الجنوب.

19% في الشمال.

17% في تل أبيب.

المقاولون يرفضون دخول المناقصات
لم يقتصر تأثير الإتاوات على مجرد دفع الأموال، بل امتد ليشمل عزوف الشركات والمقاولين عن التقدم لمناقصات البناء والبنية التحتية، حيث أفاد 47% من المقاولين والمطورين أنهم يتجنبون المشاركة في المناقصات الحكومية عندما يكون أحد المنافسين مرتبطًا بعصابات إجرامية، مما يشير إلى مشكلة خطيرة تتطلب تدخلًا فوريًا من السلطات.

ارتفاع تكاليف البناء وأسعار العقارات
أوضح المقاولون أن الجهات التي تفرض الإتاوات تقدم نفسها على أنها "شركات حراسة شرعية" وتصدر فواتير رسمية، مما يجعل هذه التكاليف جزءًا من ميزانية المشاريع العقارية. وأظهرت نتائج المسح أن:
50% من المقاولين أكدوا أن هذه المدفوعات ترفع تكاليف المشروع بمبلغ يتراوح بين 250 ألفًا و500 ألف شيكل.

32% أشاروا إلى ارتفاع تكاليفهم حتى 250 ألف شيكل.

18% أوضحوا أن التكلفة قد تتراوح بين 500 ألف ومليون شيكل.

من المسؤول عن وقف الظاهرة؟
عند سؤال المشاركين عن الجهة المسؤولة عن معالجة هذه الظاهرة، أجاب:
60% أن الشرطة هي المسؤولة المباشرة عن مكافحة الإتاوات.

23% يرون أن الحكومة يجب أن تتدخل عبر سن قوانين أكثر صرامة.

13% يرون أن المحاكم يجب أن تفرض عقوبات رادعة.

ومع ذلك، أظهرت النتائج استياءً واسعًا من تعامل السلطات مع الظاهرة، حيث أعرب 97% من المشاركين عن عدم رضاهم عن أداء الجهات المعنية في مكافحتها. والأسوأ من ذلك، أن 75% من المقاولين لم يبلغوا الشرطة عندما طُلب منهم دفع إتاوات، مما يشير إلى فقدان الثقة في قدرة السلطات على حمايتهم.

تصاعد الظاهرة مع الحكومة الحالية
أشار 68% من المشاركين إلى أن الظاهرة تفاقمت خلال العامين الأخيرين منذ تولي الحكومة الحالية، بينما يرى 32% أن الوضع لم يتغير.

دعوات لاتخاذ إجراءات حكومية عاجلة
عميد جوتليب، رئيس منظمة المقاولين والبنائين في تل أبيب والمركز، وصف الوضع بأنه "لا يُحتمل" وحذر من التداعيات الخطيرة على قطاع البناء والاقتصاد الإسرائيلي ككل. وقال:
"عندما يضطر 90% من المقاولين إلى دفع إتاوات، وعندما يمتنع نصفهم عن المشاركة في المناقصات بسبب الجريمة المنظمة، فهذا يعني أن هناك خللًا كبيرًا في السوق."

ودعا جوتليب الحكومة إلى تشكيل فريق مهام خاص يضم الشرطة والنيابة العامة وسلطات الضرائب لمكافحة الظاهرة بشكل فعال، مؤكدًا:
"لم نعد بحاجة إلى مزيد من اللجان والتصريحات، بل نريد تحركًا فوريًا ونتائج ملموسة. أي تأخير في اتخاذ الإجراءات لن يؤدي إلا إلى تعزيز نفوذ الجريمة المنظمة ورفع أسعار العقارات أكثر فأكثر."

لم تعد ظاهرة هامشية
بدوره، أكد دان كاتشانوفسكي، الرئيس التنفيذي لمركز العقارات في إسرائيل، أن الإتاوات لم تعد ظاهرة هامشية، بل أصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا على قطاع العقارات بأكمله. وقال:"اليوم، حتى المقاولين ومديري المشاريع في الشركات الكبرى يضطرون للتعامل مع هذه التهديدات. الأمر لا يتعلق فقط بدفع الإتاوات، بل وصل إلى حد سيطرة عصابات الجريمة على المناقصات العقارية بالكامل، مما يهدد نزاهة القطاع ويؤثر على المستثمرين والمستهلكين على حد سواء."

وأضاف:"إذا لم تتحرك الحكومة والشرطة بسرعة، فإن هذه الظاهرة ستتفاقم، مما سيؤدي إلى مزيد من الأضرار للمقاولين والمطورين والمواطنين الذين يحلمون بامتلاك منزل."

النتيجة النهائية؟ ارتفاع مستمر في أسعار العقارات، وإحباط متزايد بين المستثمرين، ومخاوف من سيطرة الجريمة المنظمة على واحد من أهم القطاعات الاقتصادية في إسرائيل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]