طالب وزير القضاء ياريف لفين، في نهاية الأسبوع الماضي، بتجديد عملية التشريع ضمن ما يُعرف بـ"الانقلاب القضائي"، مستندًا إلى محاولة الاعتداء على منزل رئيس الحكومة في بلدة قيساريا قبل أيام. وصرّح لفين: "آن الأوان ليعلن جميع أعضاء الائتلاف والكتل وأعضاء الكنيست، كرجل واحد، دعمهم الواضح للخطوات التي قدتها وتوقفت، بالإضافة إلى أي خطوة أخرى ضرورية لتغيير الوضع".
وأشار لفين إلى أنه منذ بداية تشكيل الحكومة يسعى إلى "إحداث تغييرات جذرية لإعادة تشكيل هيئة المحكمة العليا، إصلاح جهاز الاستشارة القانونية للحكومة، ووضع حد لإنفاذ القانون بشكل انتقائي".
رغم إعلان تعليق الانقلاب القضائي رسميًا مع بداية الحرب على غزة ولبنان، إلا أن الحكومة واصلت بشكل هادئ خطوات متفرقة لدفع أجندة الانقلاب القضائي بوسائل غير تلك التي أعلنت عنها مطلع عام 2023. من بين هذه الخطوات، مشاريع قوانين تهدف إلى تقييد حرية التعبير، إضعاف المحكمة العليا، تعليق تعيين القضاة، واختيار رئيس جديد للمحكمة العليا.
قوانين اضافية في اتجاه الإنقلاب القضائي
وحول الموضوع، تحدث موقع "بكرا" إلى المختص في العالم القضائي، المحامي علي حيدر، والذي أكد أنّ الحكومة ماضية في الإنقلاب القضائي مشيرًا: في الأيام الأخيرة، صادقت الحكومة على اقتراح رئيسها بتحديد فترة عمل المستشارين القانونيين في الوزارات الحكومية بسبع سنوات. كما طرحت مشاريع قوانين تهدف إلى منع مرشحين وقوائم عربية من المشاركة في الانتخابات، إلى جانب فرض معيقات إضافية أمامهم. وتضمنت الخطوات الحكومية أيضًا السيطرة على وسائل الإعلام، نقابة المحامين، ومفوضية خدمات الدولة، بالإضافة إلى سلسلة من القوانين والقرارات الرامية إلى مواصلة الاحتلال وتعميق السيطرة على الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه الأساسية. ما جاء من اقتراحات يؤكد أنّ لفين أعلن عزمه مواصلة مشروع الانقلاب القانوني، مستخدمًا محاولة الاعتداء على منزل رئيس الحكومة ذريعة لذلك، ووجه اتهامات لجهاز المستشارة القانونية والنيابة العامة بعدم تقديم لوائح اتهام ضد من يحرضون على رئيس الحكومة. وصف هذه الادعاءات بأنها غير دقيقة وغير مستندة إلى أي أساس.
وأوضح: علاوة على ذلك، اعتبر هذا التحرك محاولة جديدة لتقييد النظام القضائي وإضعافه، وهو الجهاز المخول بمتابعة القضايا الجنائية والأمنية المرتبطة بموظفي مكتب رئيس الحكومة. وفي الوقت نفسه، تسعى هذه الخطوات إلى التأثير على المستشارة القانونية والنائب العام لإلغاء لوائح الاتهام الموجهة ضد رئيس الحكومة. يرفض هؤلاء المسؤولون أيضًا طلب رئيس الحكومة تأجيل موعد وبرنامج إدلائه بشهادته أمام المحكمة المركزية في القدس، حيث يواجه اتهامات تتعلق بالفساد، خيانة الأمانة، تلقي الرشوة، والخداع. النظام القضائي في إسرائيل، وفقًا للعديد من المراقبين، يخدم الأهداف الكبرى للدولة اليهودية، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني.
لا تغييرات جوهرية
واشار حيدر: خلال السنوات الأخيرة، لم يُظهر هذا النظام تغييرات بنيوية جوهرية، بل صادق على العديد من القوانين العنصرية مثل قانون أساس القومية، قانون التجمعات السكانية، قانون النكبة، ومنع لمّ الشمل. كما أضفى الشرعية القانونية على ممارسات الاحتلال مثل بناء جدار الفصل العنصري، توسع الاستيطان، هدم المنازل، الاعتقالات، ومصادرة الأراضي.
واشار: مع ذلك، الخطوات التي تنوي الحكومة تنفيذها ستُضعف الجهاز القضائي مقابل منح صلاحيات مفرطة لكل من الحكومة والكنيست. في ظل غياب دستور في إسرائيل، أو نظام أكثر من مجلس منتخب، تركز الخطة القوة في يد الحكومة المسيطرة على البرلمان والجهاز القضائي، مما يضر بالتوازن بين السلطات، مكانة الأقليات، حقوق الإنسان، نزاهة الحكم، واستقلالية القضاء.
وقال: خطة ليفين تجعل من القضاة مجرد موظفين تقنيين محدودي الصلاحيات في التأويل والتفسير، وتحدّ من قدرتهم على أداء دورهم المركزي في فض النزاعات بين الدولة والمواطنين، أو تفعيل الرقابة القضائية على المؤسسات الرسمية.
دعم حكومي
وأكد أنّ: هذا المخطط يحظى بدعم رئيس الحكومة وكافة مركبات الائتلاف الحكومي، ويهدف إلى تحويل النظام القضائي والسياسي في إسرائيل نحو الأسوأ، باتجاه الاستبداد وتعزيز السيطرة وتقليص إمكانات الرقابة والتدخل. هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج عمل وتخطيط عميق استمر لسنوات. ساهم في صياغتها وزراء قضاء سابقون، أكاديميون، ومؤسسات مجتمع مدني يمينية مثل طاقم "كوهيلت"، موقع "ميداة"، ووسائل إعلام يمينية.
واوضح: الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو تسير على خطى أنظمة شعبوية مناهضة للديمقراطية تهيمن فيها الأكثرية على الأقلية، مثل هنغاريا بقيادة أوربان، روسيا بقيادة بوتين، والبرازيل في عهد بولسونارو. هذه الأنظمة تسعى إلى تقييد الحريات، قمع الأقليات، وترسيخ الاستبداد. المخاطر المتوقعة من الحكومة الإسرائيلية لا تقتصر على إضعاف الجهاز القضائي فقط. مرجعياتها الأيديولوجية تجمع بين اليمين المتطرف، العنصرية، النزعة المسيانية الاستيطانية، والفاشية الدينية، مما يجعلها مصدرًا دائمًا للتوترات، لا سيما في ظل التصعيد العسكري بغزة، نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وسلسلة التعيينات التي تنسجم مع فكر اليمين المتطرف في إسرائيل، الداعم للتوسع الاستيطاني وفرض السيادة على الضفة الغربية.
[email protected]
أضف تعليق