لماذا أقدم أردوغان على قرار قطع العلاقات وطرد السّفير الإسرائيلي من تركيا وفي هذا التّوقيت؟ وهل يتجاوب الأسد ويُصافح يده الممدودة بالتّطبيع؟
عبد الباري عطوان
اتّخذ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أمس قرارًا تاريخيًّا وغير مسبوق، عندما أعلن قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والأكثر من ذلك تأكيده أنّ تركيا حكومة ودولة “لن تتّخذ أي خطوات أو إجراءات لتطوير التعاون، أو إعادة العلاقات مع إسرائيل في المُستقبل”.
أهميّة هذا الموقف الوطنيّ الإسلاميّ الشّجاع، ومن واحدة من أهم الدول الإسلاميّة، وعُضو في حلف الناتو، إنّه يتزامن مع التّعبير عن رغبةٍ قويّةٍ في إعادة العلاقات مع الجار السوري، عندما قال بعد عودته من القمّتين العربيّة- الإسلاميّة في الرياض وقمّة المناخ في أذربيجان “ما زلت مُتفائلًا بشأن (الرئيس) الأسد، وما زلت آملًا أنْ نتمكّن من الالتِقاء سويًّا، وإعادة العلاقات السوريّة- التركيّة إلى مسارها الصّحيح.. لقد مددنا يدنا من أجل التّطبيع مع سورية، لأنّه سيفتح الباب أمام السّلام والاستِقرار في الأراضي السوريّة”.
***
الرئيس أردوغان اتّخذ مواقف هُجوميّة شرسة ضدّ دولة الاحتلال الإرهابيّة ومجازرها وحرب الإبادة التي تشنّها في قطاع غزة والضفّة وأخيرًا في لبنان، ووصف بنيامين نتنياهو بأنّه أكثر خُطورةً ونازيّةً من هتلر، وقرّر قطع جميع العلاقات التجاريّة مع دولة الاحتلال رُغم الظّروف الاقتصاديّة الصّعبة التي تُواجهها بلاده بسبب الضّغوط الأوروبيّة والأمريكيّة المدعومة من إسرائيل في هذا المِضمار، ولكنّه تعرّض لحمَلاتِ انتقادٍ وتشكيكٍ شَرِسَةٍ في داخل تركيا وخارجها، خاصَّةً في العالم العربيّ بسبب استِمرار العلاقات الدبلوماسيّة مع تل أبيب، وها هو الرّد يأتي حازمًا ورادعًا وقويًّا.
“إسرائيل” تقف خلف الكثير من الأعمال الإرهابيّة التي تصاعدت في الأيّام والاشهر الأخيرة، وأبرزها شنّ هُجومٍ على مصنعٍ لمُسيّرة بيرقدار المُتطوّرة جدًّا في أحد ضواحي العاصمة أنقرة، كما أنّ دولة الاحتلال وقفت خلف المُخطّط الذي يُريد تفتيت الأراضي التركيّة وإقامة دولة “كُردستان الكُبرى”، وتعطيل جُهود المُصالحة التي كادت أن تُعطي ثمارها بين الحُكومة التركيّة وزعيم حزب العمّال الكُردستاني المُتمرّد والانفِصالي.
كانَ لافتًا أنّ الرئيس أردوغان اقترب كثيرًا من تلبية الشّرط الأهم الذي تُريده الحُكومة السوريّة، والرئيس الأسد تحديدًا لإعادة العلاقات والتّطبيع بين البلدين، وهو انسحاب القوّات التركيّة من الأراضي السوريّة، عندما قال في التّصريحات نفسها التي أدلى بها إلى الوفد الصّحافي التركي الذي كانَ مُرافقًا له في الطّائرة عندما “شدّد” على وحدة الأراضي السوريّة” وأكّد أنّ الأراضي السوريّة غير مُهدّدة من السّوريين المُنتَشرين في عدّة دُول (في إشارةٍ إلى المُعارضة وقوّاتها المدعومة من تركيا) مُناشدًا الرئيس الأسد “أن يُدرك ذلك، ويتّخذ الخطوات اللّازمة لخلقِ مناخٍ جيّدٍ في بلاده”.
هذا الموقف المُشرّف من الرئيس أردوغان بقطع العلاقات مع دولة حُروب الإبادة والتّطهير العِرقي، وطرد السّفير الإسرائيلي، وإغلاق سفارته في الأراضي التركيّة ومدّ يد الصّلح لسورية يستحق التّنويه والإشادة، وما كانَ له أن يصدر، وبعد 76 عامًا، إلّا من رجلٍ مِثل أردوغان، وفي الوقتِ المُناسب، لأنّه يُقدّم المثل والقدوة لبعض الدول العربيّة التي سارعت حُكوماتها لإقامة علاقات تطبيعيّة مع دولة الاحتلال، والتزمت الصّمت و”الحِياد” تُجاه المجازر والعُدوانات الإسرائيليّة المُتصاعدة ضدّ الفِلسطينيين، ولم تُقدم على أيّ خطوةٍ صغيرة، أو كبيرة، تُظهر التّضامن والدّعم للشّعبين الفِلسطيني واللبناني، ونحنُ نتحدّث هُنا دون مُواربة عن مِصر والأردن والإمارات والمغرب والبحرين.
***
أنْ يُغلق الرئيس أردوغان أبواب بلاده في وجهِ دولةِ الاحتلال ويُطهّر تركيا من دنَسِها، ويفتحها لسورية الدّولة الجارة التي حرصت على إقامة علاقات مُتطوّرة جدًّا على الصُّعُد كافّة مع تركيا، فهذا تطوّرٌ يجب أنْ تسير على نهجه هذه الدّول العربيّة المُطبّعة وقبل فوات الأوان.
ربّما من السّابق لأوانه أن نتكهّن من رد فعل الرئيس السوري بشار الأسد على هذه الخطوة التركيّة التضامنيّة مع محور المُقاومة، والقضيّة الفِلسطينيّة العادلة، وكتائب المُقاومة التي أذلّت العدو الإسرائيلي، وزعزعت أمنه واستقراره، وفضحت كُل أكاذيبه وغطرسته، ونزع الأقنعة عن هيبته المزعومة، ولكن من المُؤكّد أنّ الرّد لن يكون سلبيًّا، أو هكذا نأمل، وإنّ عودة الجانبين السوري والتركي إلى مُعاهدة أضنة التاريخيّة عام 1998 برعايةٍ وضمانةٍ روسيّة هو أقصرُ الطُّرُق لإصلاح العلاقات وتطويرها والقفز فوق جميع المُعوّقات والأخطاء السّابقة.
[email protected]
أضف تعليق