المحامي إبراهيم شعبان
بعد الحملات العنصرية، التي شنتها دول غربية عديدة، وأجهزتها الإعلامية من صحافة وتلفزة وإذاعة وتواصل اجتماعي تجاه مونديال قطر، تيقنت أن النزعة العنصرية تسود أوروبا رغم جميل الكلام والشعارات في نبذها باسم الليبرالية تارة وباسم الحريات وحقوق الإنسان تارة أخرى. لا يود هذا الغرب العنصري رؤية دولة جنوبية كانت مسلمة أو بوذية أو هندوسية تنجح في تنظيم عملٍ حضاريٍ كالمونديال في تصفيات كاس العالم لأول مرة جغرافيا وتاريخيا. فباسم الحضارة الأوروبية الغربية المنافقة الفوقية المتغطرسة التي تود فرض قيمها وأسلوبها في الحياة على العالم وكأن لا قيم غيرها، قامت قيامة أجهزتها بشن حملة ظالمة تجاه دولة صغيرة، بحجة فسادها وسجلها في الإنسانية، وحقوق الإنسان، سواء أكانوا مثليين، أو عمال بناء، أولاظطهادها المرأة المزعوم، أو لعجزها العام، أوقدراتها المحدودة.بل زعموا أن لها علاقات وثيقة مع الإرهاب العالمي، وركزوا على ما أسموه زورا وبهتانا بالإرهاب الإسلامي. بل وصل الأمر بهم حد الزيف حينما لجؤوا إلى فرية إثارة الأثر البيئي على المنطقة.
حينما سمعت وقرأت هذا الردح الأوروبي غير المسبوق، تمنيت لو دخل الجيش العثماني المسلم قبل ثلاثة قرون ونصف فينّا عاصمة النمسا التي كانت على وشك الوقوع في قبضته، واكتساح أوروبا الغربية برمتها، وازالها من الوجود. ولولا لو لم يغرق قادة الجيش العثماني آنذاك، في خلافاته وجهوده المشتتة وحسده وغيرة قادته بعد أن كانت قد اكتسحت الجزء الشرقي من أوروبا لأانهى الشطر الغربي من أوروبا، وانتهى هذا الحقد الأوروبي. ويبدو أن الغرب لم ينس ذلك الأمر ليومنا هذا، ولم يسامح الجيش العثماني الإسلامي ولا المسلمين ولا العرب على فعلته وغزوته، فكان أن نشر وروج حديثا لما يسمى بالفوبيا من الإسلام والإرهاب الإسلامي بالتعاون مع الصهاينة.
رغم ان الحملات الصليبية كانت قد اختفت ظاهريا وعلى الورق فقط وصدرت الدعوات للتعايش ونبذ العنف، لكنها بقيت كامنة في أعماق الغربيين، تنتظر فرصة حتى تشق شرنقتها وتخرج إلى حيز العلن وتعلن عن وجودها، كما حصل في أوكرانيا وتقارير افضليتهم ولونهم وجذرهم وعرقهم على غيرهم من الأجناس الأخرى. بل ظهرت هذه الدعوات بشكل واضح في أقوال بوش الإبن الرئيس الأمريكي، وعبر عنها بافضل طريقة القائد البريطاني أللنبي حينما غزا القدس بقوله " ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين، الآن انتهت الحروب الصليبيية ".
تمنيت لو قام الجيش المسلم حينما فتح الأندلس باكتساح فرنسا، ولم يقف عند حدودها الجنوبية مكتفيا بالأندلس. فقد شنت الصحف الغربية ومنها الفرنسية بشكل خاص حملة شعواء على قطر ومونديالها، متذرعة مرة أخرى بالمثليين وجقوقهم المهضومة المخترقة في قطر، وشعارهم الساقط المحذوف. وليتها توقفت عند ذلك بل حظرت عددا من البلديات الفرنسية بث مباريات كأس العالم، ورفضت إقامة شاشات عرض عملاقة، أو تخصيص أماكن عامة لمشاهدة المباريات للجمهور. وكانت في قمة الوقاحة وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر حينما ذهبت لقطر نفسها، ورفعت شارة المثليين في تحد واضح على ساعدها، بينما بلادها تعتبر BDS حركة محظورة. فوقية وعنصرية واستعلاء تحت شعارات رنانة.
تمنيت لو بقي العرب المسلمون في الأندلس ليبقى ضياءهم ومشاعل أنوارهم ساطعة في ظلام أوروبا من جنوبها حتى شمالها ، حتى لا يتجرأ عليهم نظام حاقد أو قذف سهامهم السامة نحو النحر العربي، ونسوا إباداتهم لشعوب واستعبادها واسترقاقها، ونهب مقدراتها في أمريكا الشمالية وأفريقيا وآسيا، وأن سبب ثرائهم يعود لاستعمارهم واستغلال مقدرات الشعوب. نسوا خصامهم حول مستعمراتهم، وفرامانات بابواتهم باكتساب ملكية الأقاليم المكتشفة، والرقيق الذي جلبوه معهم، والتجارب النووية التي قاموا بها على تلك الأراضي المستعمرة، وقتل وتعذيب الأسرى الوطنيين.
ليس سببا لكتابة هذه المقالة، الدفاع عن دولة قطر ونظامها السياسي الذي يجيز وجود أكبر قاعدة أمريكية على أراضيها، وليس لقوتها الخبيثة المفرقة المدمرة الدامية والتي تسمى تجاوزا بالناعمة، التي استعملتها في سوريا وليبيا ومصر، وليس لدعمها للسياسات الغربية القائمة على الفرقة والإنقسام، وليس بسبب محطتها الإعلامية الجزيرة المتواطئة مع الصهيونية، وليس علاقتها السرية و/أو العلنية مع الكيان الإسرائيلي، ولكن هذا المقال جاء انحيازا للحق والحقيقة والعروبة المبدئية، ورفضا للعنجهية والفوقية والتمييز العنصري الذي يتبناه الغرب سرا في مواقفه تجاه الجنوب، وتشجيعا لقطر للرجوع إلى طريق الصواب.
دولة أختلف مع سياستها قلبا وقالبا، ولا أتفق مع نظامها السياسي إن كان لها نظام، ولكنها دولة رغم صغر مساحتها استطاعت أن تبني في عقد من الزمن ونيف ملاعب كرة قدم على أحدث طراز، ومدرجات ومرافق وفنادق وقاعات ومراكز ومطارات مزودة بأحدث وسائل الإتصالات، بل كانت مدرجات الملاعب مكيفة. أفبعد هذا تقاطع قطر وتتهم قطر وتنتقد قطر وتسب قطر بدون وجه حق، وهي التي بذلت جهدا غير مسبوق في توفير المرافق الأساسية وغير الأساسية للمونديال سبقت فيه غيرها، بل تجاوزت عن بعض موروثاتها مثل الكحول والمثلية. وهل القيم الغربية بالضرورة هي الأصح والأفضل والأمثل؟!
دولة قطر قدمت للغرب كل ما يتمناه من مواقف عملية وسياسات قصيرة النظر، فها هي تقوم بدور كبير في تسهيل انسحاب القوات الأمريكية في أفغانستان، وها هي تبذل الجهود مع الغرب لتزويده بالغاز القطري بدل الغاز الروسي، وها هي تساهم في تمزيق العالم العربي وتنفق المليارات على الفرقة والفتنة العربية بدءا من سوريا وانتهاء بشركة نفط توتال الفرنسية ومحطة الجزيرة القطرية. وقتها كانت قطر يكال لها المديح والثناء.
أما في المونديال فهي محل هجوم وانتقاد، فهل تستحق قطر بعد هذه الخدمات هذه الهجمة المسعورة الغربية العنصرية على مونديال قطر والدعوة لمقاطعته. ولو جرى هذا الأمر مع الربيبة إسرائيل وأقيم مونديال على أرضها جدلا، هل كانت دولة غربية ستجرؤ على الدعوة للمقاطعة أو ذكر حقوق الإنسان الفلسطينية أو المستعمرات الإسرائيلية، إنها العنصرية الغربية والمعايير المزدوجة والبعد عن الحق والحقيقة. إنها العنصرية البغيضة المقيتة النتنة الكامنة في الصدور الأوروبية، أيقظوها من سباتها ويا ليتهم لم يوقظوها، وختاما عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، فالضمير الشاعر بالإثم لا يحتاج إلى متهم!!!
[email protected]
أضف تعليق