بقلم: المحامي زكي كمال
تتحدّد بين المصلحة وفكرة القوة ونطاق التأثير أو السيطرة، معالم ومنعرجات العلاقات الدبلوماسيّة بين الدول على اختلاف وجهاتها وتنوّع طبيعة علاقاتها. وبغضّ النظر عمّا إذا كانت دولًا يمكن تصنيفها على أنها عدوّة، أو حليفة أو صديقة (أو شقيقة وفق التعبير، أو المصطلح الذي كان سائدًا في العالم العربيّ وبياناته، اتضح لاحقًا أنها ليست كذلك). أما نقل الرسائل، وإعلان "المواقف من حدث ما" فهي فنّ بحدّ ذاته، يتم بوسائل عديدة ومختلفة تتراوح بين الأقوال المباشرة والصريحة، أو تلك التي تأتي تلميحًا وتلويحًا، أو الأفعال التي تخفي وراءها أكثر ممّا تكشف، وتأتي بصمت لتبوح بأكثر ممّا يمكن أن تبوح به الكلمات، في أفضل تعبير عن القوة السياسيّة، والتي يكن تعريفها على أنها مدى التأثير النسبيّ الذي تمارسه الدول في علاقاتها المتبادلة، علمًا أن هذه القوة ليس بالضرورة أن تكون مرادفة للعنف بأشكاله الماديّة والعسكريّة، بل إنها المحصّلة النهائيّة، أو النتيجة النهائيّة لتشابك وتضافر عدد كبير من المتغيّرات الماديّة وغير المادية، والتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكوّنات التي تحدد حجم قوة الدولة وإمكانيّاتها في التأثير السياسيّ في مواجهة غيرها من الدول.
بمعنى أن العلاقات السياسيّة الدوليّة هي صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها لخدمة مصالحها، أو استراتيجيّتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح الدول الأخرى ، كما قال الباحث ستانلي هوفمان الذي راجت أفكـاره فـي السـتينات :"إن حقـل المعرفــة للعلاقــات الدوليــّة يعنــي العوامــل والنشــاطات المــؤثّرة فــي السياسات الخارجيّة، وفي قوة الوحدات الأساسيّة المكوّنة لعالمنا "، فقرارات بعض الدول خاصّة تلك الديمقراطيّة، أو المسماة كذلك، لا يمكن أن تكون بمعزل عن العوامل سابقة الذكر، ولا يمكنها أن تتجاهلها، بعكس الحال في الدول الدكتاتوريّة التي يحكمها الرجل الواحد، كما الحال في الحرب الأوكرانيّة الروسيّة التي قرّرها وحسم أمرها فلاديمير بوتين، رغم محاولات ثنيه عن خوضها. وما أحداث الأيام الأخيرة التي شهدتها منطقتنا وتحديدًا ثلاثة منها، أولها إعلان مكتب التحقيقات الفيدراليّة الأميركيّة( إف.بي.آي) الشروع بتحقيق حول ظروف وملابسات مقتل الصحفية المرحومة شيرين أبو عاقلة، وثانيها تراجع بنيامين نتنياهو الرئيس المرتقب للحكومة الإسرائيليّة القادمة عن قراره، أو نيته منح حقيبة الأمن لعضو الكنيست اليمينيّ المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، ضمن حكومة ائتلافيّة يمينيّة متطرّفة تضمّ المتدينين والمستوطنين، الذين يرفضون أيّ حلّ للنزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، ويعتبرون الضفة الغربيّة وغور الأردن جزءًا لا يتجزّأ من أرض إسرائيل.
وبالتالي لا مجال للحديث عن إخلائها، كما تضمّ جهات ذات تأثير لن تتورّع عن " إحراق البيت
وبالتالي لا مجال للحديث عن إخلائها، كما تضمّ جهات ذات تأثير لن تتورّع عن " إحراق البيت وتهوى اللعب بالنار"، أما الثالث من الأحداث فهو اعلان إيران هذا الأسبوع عن أنها ستسرّع عمليّة تخصيب اليورانيوم إلى درجة 60% خاصة في منشاة "فوردو" النوويّة تحت الأرضيّة، في ردٍّ واضحٍ على تصريحات الوزير السابق تساحي هنجبي المقرّب من نتنياهو، وحتى قبل أن تتضح النتيجة النهائيّة للانتخابات الذي أكد أن نتنياهو وحكومته يخطّطون لعمليّة عسكريّة ضدّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة، في حالة تؤكّد أن العلاقات بين الدول تتأثر بعوامل عديدة، وكأَنّ طهران تقول لإسرائيل، إن هذه التصريحات العسكريّة التهديديّة لا تردعها، وأن الإدارة الأميركيّة الحاليّة لن تسمح بذلك، فهي ما زالت تبحث عن صيغة جديدة للاتفاق النوويّ، رغم الانتقادات والتحفظات ورغم الخطوات العقابيّة التي اتخذتها بعض الدول الأوروبيّة ضد طهران في أعقاب تقارير الوكالة الدوليّة للطاقة النوويّة، والتي ألمحت إلى خروقات إيرانيّة كبيرة، وإلى رفض للتعاون مع مراقبيها خاصّة في مجال إدخال أجهزة الطرد المركزيّ الجديدة والمُطَوَّرة إلى منشآت طهران النوويّة.
إعلان مكتب التحقيقات الفدراليّ الأمريكيّ، رسميًّا إطلاق تحقيق رسميّ ومنفصل في مقتل الصحافيّة الفلسطينيّة الأمريكيّة، شيرين أبو عاقلة، التي لقيت حتفها أثناء تغطيتها اشتباكات مسلّحة في مخيم جنين بين مسلحين فلسطينيّين والجيش الإسرائيليّ، منذ 6 أشهر، هو علامة فارقة تحمل في طياتها كافّة المعالم، أو المركّبات سابقة الذكر فهو قرار أميركيّ خالص يعكس المعادلة التي افتتحت بها مقالي هذا، ومركّباتها وفكرة القوة المصلحة ونطاق التأثير أو السيطرة . هو قرار يأخذ بالحسبان فقط، وأقصد المصلحة الأميركيّة، ودون أيّ تلوُّنٍ أو مواربة أو محاولة للاختباء، ويخدم مصلحة واحدة فقط هي المصلحة الأميركيّة وليست الفلسطينيّة، وهنا آمل أن لا يخطئ الفلسطينيّون الظنّ، وأن لا يفكروا، أو يتخيّلوا ولو للحظة، أن القرار يشكّل تغييرًا أو تغيُّرًا في السياسة الأميركيّة تجاههم، أو تبنّيًا لمواقفهم، فالأمر أبعد ما يكون عن ذلك، فإسرائيل كانت وما زالت وستبقى الحليفة الأولى التي تلتزم أميركا بكافة رؤسائها وقادتها بضمان سلامتها وأمنها أمام كافة الأخطار عربيّة كانت أم إيرانيّة، كما أن هذا القرار ليس مصلحة إسرائيليّة، فلو كانت أميركا تقيم وزنًا في هذه الحالة بالذات، لمصلحة إسرائيل لكانت امتنعت عن إطلاق هذا التحقيق، وقبلت نتائج التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيليّ، والذي توصّل إلى استنتاج مفاده أنه رغم أن الفحوصات التي أجريت للشظية، أو الرصاصة التي قتلت شيرين لم تكن كافية وحازمة إلا أنها قُتلت على الأرجح بـنيران غير مقصودة من جنديّ إسرائيليّ، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال.
كما في حالات كثيرة سابقة تبنّت الولايات المتحدة بالكامل الرواية الإسرائيليّة، لكن هذا القرار بنصّه، وبمن يقف وراءه خاصّة بعد أن أعلنت الخارجيّة الأميركيّة أنها لم تكن المبادرة إليه. وهو ما أكده سفير الولايات المتحدة في إسرائيل توم نايدز الذي قال للجهات الإسرائيليّة التي توجهت إليه أن لا علم له بمن طلب، أو قرّر التحقيق، وأنه يسعى للحصول على مزيد من المعلومات، وخاصّة بتوقيته ،إذ بادرت وزارة العدل الأمريكيّة إلى إبلاغ الحكومة الإسرائيليّة رسميًّا بإعلان التحقيق بعد ثلاثة أيام من الانتخابات التي أفرزت ائتلافًا يمينيًّا متطرّفًا، من السخريّة أن بنيامين نتنياهو يعتبر فيه في نظر البعض " العاقل أو العقلاني والمتزن" ، وهو ائتلاف يستبدل حكومة التغيير برئاسة نفتالي بينيت الذي استقبله جو بايدن في البيت الأبيض وبعده يئير لبيد. ويبدو أن إسرائيل تفهم معنى هذه العوامل المتضافرة، وتحديدًا التوقيت ونصّ الإعلان وكون الخارجيّة الأميركيّة آخر من يعلم، وأن وكالة التحقيقات الفيدراليّة هي من قرّرت ذلك باعتبار أنّ شيرين أبو عاقلة تحمل الجنسيّة الأميركيّة، عدا عن كونها تعمل في وسيلة إعلام تعتبر من بين الأكثر تأثيرًا في العالم وهي "الجزيرة "القطريّة".
ومن هنا جاءت الردود الإسرائيلية الرافضة والمندهشة، بل والمصدومة وأَّولها رفض وزير الأمن الإسرائيلي
ومن هنا جاءت الردود الإسرائيلية الرافضة والمندهشة، بل والمصدومة وأَّولها رفض وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، التحقيق، ووصفه إياه بأنه خطأ فادح أمريكيّ، وبأن إسرائيل لن تتعاون مع أيّ تحقيق خارجيّ، وترفض التدخّل في شؤونها، خاصّةً وأن الجيش الإسرائيليّ كما قال غانتس ، أجرى تحقيقًا موسّعًا ونزيهًا حول الحادثة، وأبلغ الجانب الأميركيّ بنتائجه الكاملة، وسط غضب إسرائيليّ واضح تخلله حديث متواصل بين مستشار الأمن القوميّ للحكومة الإسرائيليّة أيال حولاتا ونظرائه من الجانب الأميركيّ، ومحادثات غاضبة بين وزير الأمن الإسرائيليّ ووزير الخارجيّة الأميركيّ انطوني بلينكن، رشح عنه أن بيني غانتس كان قد وبَّخ بلينكن على هذا القرار قائلًا إنه لا يعرف معنى وجود الجنود وسط ساحة معركة، وما يواجهونه من تحديات قد تؤدي بهم أحيانًا إلى قرارات تودي بحياة البعض دون قصد، أو دون سابق ترصد، بخلافه أي بخلاف غانتس الذي عاش هذه التجربة على مدار أربعة عقود هي مدّة خدمته العسكريّة في الجيش.
وعودة إلى التوقيت وهو الأهمّ هنا خاصّة مع ربطه بمعاني هذا القرار، والتي وإن كانت جيدة في بعض جوانبها إلا أنها لا تعني بأي شكل من الأشكال انتصار الرواية الفلسطينيّة، أو خسارة الرواية الإسرائيليّة، بمعنى أنه ليس من المؤكّد أن يُفضي هذا التحقيق الأمريكي إلى نتائج مختلفة عن نتائج التحقيق الإسرائيليّ، أي نتائج تدين الجيش الإسرائيلي بقتل شيرين أبو عاقلة عمدًا لإسكات صوت الإعلام والصحافة الحرّ ، خاصّة وأن شيرين في حياتها وتحديدًا بعد مقتلها تحوّلت إلى رمز فلسطينيّ. فهي صحافيّة كانت رمزًا للسيّدة الفلسطينيّة، وإعلاميّة كرّست من وقتها الكثير لمرافقة عائلات فلسطينيّة ثكلت أفرادها في كافّة المدن والقرى والمخيمات، وأسمعت صوت هذه العائلات، وهي سيّدة عزباء تكرّس حالة كانت فيها عمليًّا قد ضحّت بحياتها الأسريّة، أو ببناء عائلة لمواصلة عملها وحمل راية الصحافة، كما أنها تنتمي إلى الطائفة المسيحيّة، وهي بهذا تعبر عن وحدة الشعب الفلسطينيّ، ولذلك قتلتها إسرائيل وفق الرواية الفلسطينيّة، ورغم أن إسرائيل لم تنف مسؤوليّة جنودها عن قتل شيرين إلا أنها تعاملت مع القضية بنوع من التساهل، وحتى الاستخفاف، خاصّة بحقيقة كون شيرين أبو عاقلة تحمل الجنسيّة الأمريكيّة، إذ أنكرت مسؤوليّتها طيلة أيام عديدة، ومن ثمّ تراجعت عن النفي القاطع، لتزيد الطين بلة تصرفات أفراد الشرطة الإسرائيليّة الذين اعتدوا بالهراوات وقنابل الغاز والقنابل الصوتية على مسيرة الجنازة وحملة النعش في شرقي القدس، وأمام أنظار العالم وكاميراته وببث مباشر، حتى كاد يسقط من أيديهم، بمعنى أن إسرائيل في نهاية المطاف تبدو على شاكلة من قتل شيرين، ثم حاول التملّص، وبعدها تراجع وحاول "قتل" طريقها ورايتها حتى بعد موتها، انطلاقًا من كونها وفق الرواية الفلسطينيّة تخيف إسرائيل ولذلك قتلت.
ورغم كلّ ذلك، فإن عمق العلاقات الأمنيّة بين إسرائيل وأميركا ، وتحديدًا بين الأجهزة الأمنيّة والمخابراتيّة بين الطرفين، والذي تسانده علاقات ممتازة بين الدولتين، رغم الغضب الأميركيّ في صفوف الإدارة الديمقراطيّة الحاليّة على بنيامين نتنياهو جرّاء تجاوزه الرئيس الأسبق باراك أوباما وخطابه أمام مجلسي الكونغرس والنواب حول النووي الإيرانيّ، ومواقفه الداعمة للجمهوريّين وخاصّة الرئيس السابق دونالد ترامب، ومشاركته القريبة التي تم الإعلان عنها في احتفال انتخابيّ جمهوريّ في الولايات المتحدة، فإن هذا التحقيق وإن كان فيه لإسرائيل من الإزعاج الكثير، فإنه قد لا يؤدي إلى نتائج تصبّ ضد مصلحة إسرائيل، وتدين جنودها وقادتهم، وقد توصلهم إلى محكمة الجنايات الدوليّة التي أمكن إسرائيل منعها لو حقّقت في القضية بشكل جديّ وحقيقيّ دون محاولات تملّص. وهذا هو السؤال الذي يؤرّق بال إسرائيل، وهو هل من الممكن أن يؤدي التحقيق إلى اتهام جنودها، أو قادة الجيش وهل سيطالهم، وبالتالي هل سيتم مثولهم أو مطالبتهم بالمثول أمام محكمة الجنايات الدوليّة؟
وأقول إنه من شبه اليقين أن لا يتم ذلك، لكنّ القرار يشكل رسالة، أو "جرس انذار للحكومة الجديدة" معناه أن الولايات المتحدة، وبرغم التحالف والصداقة لا تسلم بعدّة أمور تتعلّق بالجيش وتصرفاته، وبمن يقف على رأس الهرم العسكري حتى في حليفتها الأولى في الشرق الأوسط ، خاصّة وأن الحديث دار خلال الأسابيع الأخيرة عن بتسلئيل سموتريتش وزيرًا للأمن بكلّ ما يحمله ذلك من مخاطر، حتى زال هذه الخطر أواسط هذا الأسبوع، لكنّه أقلق الإدارة الأمريكيّة فأكّد بعض المسؤولين الأمريكيّين أنهم قلقون من تعيين سياسيّ من حزب “دينيّ متشدّد” في هذا المنصب.
وقالوا إنّ هوية الشخص الذي سيتولى هذا المنصب في الحكومة الإسرائيليّة المقبلة سيكون لها تأثير كبير على العلاقات الثنائيّة مع الولايات المتحدة، وليس فقط عندما يتعلّق الأمر بالأمن، وذلك لكونه يدعم بناء المستوطنات وضمّ الضفة الغربية، ويدافع عن المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيّين، ويرفض وصف أعمالهم بأنها إرهاب ناهيك عن مواقفه من الأقليّة العربيّة داخل إسرائيل، والذين كان قد قال عنهم من على منصّة الكنيست إنه " يأسف لأن دافيد بن غوريون رئيس الحكومة الأول لدولة إسرائيل لم يكمل مهمّته، ولم يطردهم جميعًا من بيوتهم وأراضيهم"، ويدعو إلى عمل أكثر قوّة من قبل الجيش الإسرائيليّ في الضفة الغربيّة، والتي يصرّ بأن تتضمّن اتفاقيّة الائتلاف خطّة لإغلاق وزارة الأمن للإدارة المدنية في الضفة الغربيّة، كما يريد نقل صلاحيّات الإدارة إلى وزارات حكوميّة إسرائيليّة أخرى مسؤولة عن تقديم الخدمات داخل الضفة الغربيّة وهو ما يمكن اعتباره ضمًّا عمليًّا وفعليًّا.
وضمن المعادلة الواردة سابقًا جاء إعلان طهران، يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع
وضمن المعادلة الواردة سابقًا جاء إعلان طهران، يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع ، عن أنها تعتزم تخصيب اليورانيوم في موقع "فوردو" النوويّ وباستخدام أجهزة الطرد المركزيّ (آي. آر6)، بنسبة 60%، وذلك في خطوة اعتبرتها إسرائيل تحدّيًا جديدًا من إيران للمجتمع الدوليّ وللوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، بينما اعتبرتها طهران الردّ الصحيح على اتهامات وكالة الطاقة النوويّة لها في تقرير أصدرته، بعدم تعاونها الكافي مع الوكالة، وبأنها تريد إخفاء المعلومات، ولا تنفّذ الاتفاق، أو التفاهمات، وهو تقرير اعتبرته الوكالة رسالة واضحة إلى إيران بأن عليها الامتثال لالتزاماتها بشأن الضمانات المتعلّقة ببرنامجها النوويّ، وتقديم توضيحات ذات مصداقيّة حول قضايا الضمانات العالقة، كما أوضح المدير العام للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، رافاييل ماريانو غروسي، من أن إيران تواصل زيادة مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وأنها زادت مخزونها البالغ 60 % من اليورانيوم النقيّ الانشطاريّ إلى 62.3 كيلوغرامًا، علمًا أنه لا يحقّ لإيران بموجب الاتفاق النوويّ الموقع في 2015، وتجري المفاوضات لإحيائه، أن تمتلك أكثر من 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب بدرجة 3.67 بالمئة، ، علمًا أن وزير الخارجيّة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان كان قد ندّد .بالقرار واتهم الدول الأربع بمحاولة ممارسة "ضغوط قصوى" على طهران وسط احتجاجات مستمرّة منذ شهرين.
خطوة طهران هذه والتي تزامنت في صدفة خير من ألف ميعاد، مع وجود رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيليّ، وتصريحاته التي جاء فيها أن الشأن النووي الإيرانيّ وصل مرحلة مصيريّة، وتزامنًا مع التصريحات الصادرة من إسرائيل حول " العمل على إعداد خطة عسكريّة لضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة، تطرح أسئلة كثيرة على إسرائيل التفكير فيها، وبالتالي فإن الخطوة الايرانيّة هي رسالة للمجتمع الدوليّ عامّة وإسرائيل خاصّة، مفادها علامات تساؤل وسؤال حول ما إذا كانت إسرائيل قادرة في ظلّ إدارة ديمقراطيّة أمريكيّة ومجتمع دوليّ يحاول إحياء الاتفاق النوويّ، على مهاجمة المواقع النوويّة بكلّ ما يعنيه ذلك، وما يرافقه من زيارات متكرّرة لقادة الجيش الأميركيّ إلى إسرائيل وخاصّة الجنرال مايكل كوريلا قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركيّ، والذي زار إسرائيل اربع مرات، واستمع إلى تقارير موجزة عسكريّة حول لبنان والسلطة الفلسطينيّة وإيران وغيرها، وما يرافقه من خطر التورّط في حرب شاملة، بخلاف ما حدث حين هاجمت إسرائيل المفاعل النوويّ في العراق في ثمانينات القرن الماضي إبّان عهد مناحيم بيغن رئيسًا لوزراء، أو المفاعل النوويّ السوريّ في مطلع الألفيّة الحاليّة، في دير الزور في عهد أهود أولمرت كرئيس للوزراء، ناهيك عن كونها منشآت تحت الأرض ما يجعل هدمها وإلغاء وجودها ضربًا من المستحيل.
وفوق كلّ ذلك فحتى لو نجحت إسرائيل في ضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة، فهل يضمن لها ذلك أن تقضي على الطموح الإيرانيّ
وفوق كلّ ذلك فحتى لو نجحت إسرائيل في ضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة، فهل يضمن لها ذلك أن تقضي على الطموح الإيرانيّ في امتلاك سلاح نووي يساعد إيران في نشر "دعوة الفقيه"، ونشر إسلام الخميني والثورة الإيرانيّة، مع الإشارة هنا إلى أن عملًا إسرائيليًّا كهذا يحمل في طيّاته أبعادًا أمنيّة واستراتيجيّة وسياسيّة تطال العالم كلّه عامّة ودول الخليج والمنطقة خاصّة. ويطرح السؤال هل ستخاطر إسرائيل بالسلام واتفاقيّات أبراهام على مذبح عمل عسكريّ ضد إيران؟ أم أن نتنياهو سيدرك بحواسّه وحدسه السياسيّ والدوليّ أن الأصوات التي تهدّد إيران بالويل والثبور تمامًا كتلك التي تهدّد الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس بتفكيك السلطة الفلسطينيّة، خلافًا لتحذيرات رئيس جاز المخابرات العامّة رونين بار، من أن انهيارها سيخلق حالة من الفوضى الأمنيّة والسياسيّة والإقليميّة، وقد يقود إلى صدام مسلح يشارك فيه الفلسطينيّون كلّهم وقوات أخرى من غزة وربما لبنان، وليس كالحالة اليوم التي ينشط فيها الجيش الإسرائيليّ في مدن فلسطينيّة في مواجهة مجموعات مسلحة، أو أفراد مسلحين، وتمامًا كالأصوات التي تحرّض على العرب في إسرائيل ويقودها وزير الأمن الداخليّ القادم إيتمار بن غفير، والتي تطالب بطردهم وإبعادهم إذا لم يعلنوا جهارًا نهارًا مع مطلع كلّ شمس وغيابها ولاءهم للدولة اليهوديّة بل دولة اليهود، إنما كلّها مواقف تعني أن إسرائيل ستصبح دولة لليهود فقط، تسودها كراهية عمياء للعرب، واتهامهم بالسيطرة على مقدرات الدولة وميزانيتها من خلال الميزانيات المخصّصة لهم ضمن الحكومة السابقة والتي شارك في ائتلافها حزب عربيّ هو القائمة الموحدة، والمطالبة بإبعاد العرب من مواقع التأثير واتخاذ القرار، وهو ما ينذر وإزاء ما سبق ، بانسداد الأفق السياسيّ والاقتصاديّ والدبلوماسيّ مع الفلسطينيينـ وانسداد آفاق العلاقات العربيّة اليهوديّة في إسرائيل، وربما ينذر بحكومة يسارع وزراؤها إلى إشعال النيران، أو صبّ الزيت على النار تنفيذًا لأجندات تعتمد الكراهية والتحريض وسيلة لجلب الأصوات وأكثر من ذلك تحويلها إلى نهج وسياسة دائمة.
الحكومة الجديدة في إسرائيل لم تتّضح معالمها الكاملة بعد، وإن كانت خطوطها العريضة وتفاصيلها العامّة واضحة تثير القلق، ولكن من الواضح أننا في البلاد والمنطقة والإقليم البعيد والقريب، أمام فترة، أو مرحلة لا يسودها الهدوء والسلام ولا الازدهار الاقتصاديّ ولا الاجتماعيّ، بل ربما تقف إسرائيل بمواطنيها العرب واليهود، والمنطقة كلّها من إيران إلى لبنان ومن غزة إلى الضفة على كفّ عفريت، أو تحت رحمة سموتريتش وبن غفير ورهن نزواتهم؟؟ أي أيّام حُبلى بالمخاطر ومحفوفة بالتوتّر.
[email protected]
أضف تعليق