المحامي إبراهيم شعبان
ما انفك الشعب الفلسطيني بكل شرائحه وتوجهاته وفصائله ومفكريه يعلن صباح مساء انتقاده الشديد وكيل التهم، لإعلان المبادىء في عام1993، وما تبعه من إتفاقات ثنائية بين الجانب الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، وما تعارفت عليه الأدبيات بأوسلو ( إتفاقيات واشنطن والقاهرة وباريس ). وما انفك لا يأخذ بالتبريرات التي قدمت له وقتها للقبول بأوسلو. وبعد أن انقشع الغبار بات السؤال المطروح، هل أو سلو قدرنا المحتوم ولا نملك الفكاك منه، ولا نملك اي اختيار إزاءه، ولا حتى تعديله، وهل هناك بدائل له تضمن حقوقنا الوطنية الفلسطينية.
بعد ثلاثة عقود على أوسلو الذي أوقد نار الإستيطان الإسرائيلي بأضعاف، واقتحام المدن الفلسطينية ليلا ونهارا، وحصنّ الإسرائيلي من أية ملاحقة قضائية بحقه، والإيغال بضم القدس واقتحامات المسجد الأقصى اليومية، وسرقة الأرض الفلسطينية والماء الفلسطيني والنفط الفلسطيني وحتى الهواء لم يسلم من السطو عليه. وتردي الوضع الأمني وملاحقتهم، واستمرار احتجاز أسرى الحرية إلى أمد طويل، بل احتجاز جثامين الشهداء ومنع أسرهم من تقديم العزاء والدفن المشرف لهم إلى حد أن أصبحوا سلعة تقايض عليها إسرائيل بشكل لا إنساني في ظل موت سريري للصليب الأحمر الدولي. غدت السيادة الفلسطينية مهددة، وفي مهب الريح نتيجة للخروقات الإسرائيلية، وغدت السلطة في مهب الريح تارة منبوذة وتارة مطلوبة وكأن وظيفتها محصورة بالتنسيق الأمني.
يبدو أن الفكر السياسي الفلسطيني قديما، تأرجح بين فكرتين هما حكومة المنفى والحكومة المؤقتة. أما الإسرائيلي فكان متشبثا بفكرة الحكم الذاتي المحدود من ايام مناحيم بيغين والسادات. ولم يدر بخلد الفلسطينيين سابقا سلطة فلسطينية يخلقها إتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الحكومة الإسرائيلية. أما فكرة الدولة فقد تم مناقشتها وتبنيها في الجزائر في مؤتمر 1988.
فكرة حكومة المنفى فكرة قديمة راودت السياسيين في الحرب العالمية الثانية، واستعملت بكثرة لحين تحرير بلادهم من الإحتلال الأجنبي، حينما وقعت بلادهم تحت الإحتلال الألماني وتم اختراق سيادتهم، وتبينوا ضرورة اتخاذ إجراءات وطنية لا تحتمل التأخير . وكان أبرزها ما أعلنه شارل ديغول من لندن بقيام حكومة منفى فرنسية، والتي ما فتئت أن لاقت قبولا من المجتمع الدولي. وقلدته هولندا وبلجيكا واليونان. وحديثا استعملت الفكرة الكويت بعد أن تم احتلالها من القوات العراقية عام 1990. وحديثا جدا فكرت بها أوكرانيا فيما لو سقطت حكومة كييف وسابقا الدلايلاما في الصين وطالبان في أفغانستان. فهل فكرت منظمة التحرير الفلسطينية في هذا البديل القديم الجديد، على الأقل دراسته وبيان جدواه، وهو الذي كان مطروحا بقوة على مؤتمر الجزائر عام 1988.
حكومة المنفى هي الحكومة الشرعية لكنها غير قادرة على ممارسة سلطتها القانونية على تراب وطنها بسبب الإحتلال أيا كان اسمه، ولكنها تقيم علاقات وثيقة مع مواطنيها في كل القطاعات من جوازات سفروقوانين وأوامر، ولو على نطاق ضيق وبتحديد، بسبب وجودها خارج الوطن المحتل. ولها أن تقيم علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى ومع الأمم المتحدة وتوقع المعاهدات وتنضم إليها. ببساطة هي فكرة مرتبطة بالسيادة الوطنية ولا يملكها المحتل، وأن هناك من يمثلها.
يجب أن نلاحظ أن هناك فرقا قانونيا كبيرا بين الحكومة وبين الدولة. فالحكومة هي السلطة التنفيذية في الدولة، وتهتم بالشؤون اليومية للمواطنين في قطاعات التربية والتعليم والصحة والأمن والسكن والبنوك والمال. أما الدولة فهي أوسع بكثير من السلطة التنفيذية بحيث تحتوي بين جنباتها السلطة القضائية والسلطة التشريعية.
ويجب أن نلاحظ أيضا أن الدولة الفلسطينية من ناحية قانونية موجودة وشخصيتها القانونية كذلك، عبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الخاص بالتقسيم في عام 1947 رغم أنها كانت مختفية من ناحية واقعية ولا تسيطر على إقليمها من ناحية واقعية عملية. ومع قرار الأردن بإنهاء العلاقة القانونية والأردنية استعادت فلسطين شخصيتها القانونية تماما كما حصل بين سوريا ومصر بعد الإنفصال. وقطعا تأكد ذلك بإعلان المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988. وزاد الأمر وضوحا اعتراف الأمم المتحدة بإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة بأغلبية ساحقة في عام 1988. وتأكد ذلك بالقرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012.
يتخوف الكثيرون من الرافضين التحلل من أوسلو وفقدان بعض مزاياه الوهمية من فقد بعض المزايا التي أتت بها أوسلو مثل جوازات السفر الفلسطينية والعودة لوثائق السفر ومعاناتها. وهذا أمر سهل المنال وترتيبه سهل ويحتاج إلى إجراءات عملية ليس إلا ويجب أن لا يقض مضجع الرافضين فله بدائل إدارية عديدة. فمنظمة التحرير الفلسطينية ستقرر دولة لتكون مقرا لحكومة المنفى مثل الجزائر. وسيكون لها مكاتب خدماتية قريبة من الأرض المحتلة، كأن تكون قابعة في الأردن أو مصر. قطعا يجب أن يكون هناك تنسيق مع بعض الدول العربية على الأقل.
أما من يبث فكرة التنمية في فلسطين تحت الإحتلال الإسرائيلي في ظل إتفاقيات أوسلو، فهو واهم تماما في ظل تقييدات أوسلو. فإلقاء نظرة على الوضع الإقتصادي الفلسطيني المتراجع طيلة ثلاثة عقود يؤكد هزال هذه المقولة، وهي مقولة لشد أزر الحيتان الفلسطينية في شتى الصعد التي قد تتلاقى مصالحها ضد المصلحة الوطنية الفلسطينية.
ودعونا نسأل، هل فشلت هذه الفكرة ( حكومة المنفى ) في الدول التي طبقتها سواء في الغرب مثل فرنسا أو الكويت في الشرق، أم قدمت حلا ناجعا لرفض الإحتلال بكل صوره سواء أكان قصيرا أو طويلا، وابقت صاحب الحق الوطني ( الشعب الفلسطيني ) وممثله منظمة التحرير الفلسطينية ( الممثل الشرعي ) وبخاصة بعد انزواء منظمة التحرير، وحشرها في ظل السلطة الفلسطينية ، بينما العكس هو المطلوب.
هذه دعوة لخلق بدائل لأوسلو الذي يجمع الفلسطينيون من كل الإتجاهات على ضرره الأكيد، خلق بديل لا يفرط بالحقوق الوطنية الفلسطينية، خلق بديل لا يفقد المواطن الفلسطيني بعض المزايا التي قدمته له أو سلو أو توهم أنها قدمته. هذه دعوة لرفض الجمود الفلسطيني عند فكرة أوسلو والتوقف عندها، فالسياسة ديناميكية وليست ستاتيكية.
[email protected]
أضف تعليق