نتهت السنة الدراسيّة لطلّاب المرحلتيّن الاعداديّة والثانويّة قبل عدّة أيّام، وخرج آلاف طلّاب الثواني عشر من الإطار المدرسيّ إلى عالم جديد ومليء بالتحدّيات. في المجتمع العربيّ تحديدًا، يجد خرّيجو المرحلة الثانويّة أنفسهم بدون أيّ إطار، وغالبا بدون خطط مستقبليّة أيضًا. خاصّة اولئك الذين لا يطمحون أو لا يستطيعون استكمال دراستهم الأكاديمية أو المهنيّة لأسباب شخصيّة وبيئيّة.
غياب الموارد والفرص المهنيّة والاقتصاديّة للشبيبة قد يجعل العديد منهم عرضة للتحوّل إلى جنودٍ محتملين في صفوف منظّمات الإجرام التي قد تستغل وضعهم وضائقتهم الاقتصاديّة وتدفعهم نحو اقتراض الأموال أو العمل معها.
"الضجّة" الإعلاميّة التي أحدثتها وزارة "الأمن الداخليّ" بخصوص المعطيات التي نشرتها مؤخّرًا والتي تدلّ على انخفاض ملحوظ في معدّل الجريمة في المجتمع العربيّ تبدو عبثيّة أمام الواقع اليوميّ في مجتمعنا. واقع من الألم والفقدان، إطلاق نار يوميّ، رعب، انعدام الأمان الشخصيّ وخوف من المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، الجوّ الإحتفاليّ الذي رافق نشر المعطيات يبدو غريبًا جدًّا للمواطن العربيّ الذي يعايش العنف والجريمة في بلداته بشكل يوميّ ومستمرّ.
شرطة إسرائيل تُنسب المعطيات التي نشرتها إلى حملة "مسار آمن"، التي بدأ تنفيذها في تشرين الأوّل 2021، ومن خلالها، تحاول الجهات ذات الشأن العمل بطرق مختلفة، وبالتعاون مع سلطات مختلفة، للقضاء على الجريمة في المجتمع العربيّ. لا شكّ أنّ الحملة هي خطوة جيّدة، ولكنّ الاحتفاء بها قبل انقضاء أقلّ من سنة على بدايتها- مبكّر جدًا.
حتّى خلال كتابة هذه السطور لا زال اطلاق النار وأسماء الضحايا مستمر في الاعلان : محمّد عماش من جسر الزرقاء، أحمد أبو شيخة من عارة؛ جوهرة خنيفس من شفاعمرو؛ توفيق عرو من جت؛ سمر طوبيا من حيفا؛ محمود صنع الله من دير الأسد؛ منير ريان من كفر برا؛ نادر مقالدة من باقة الغربية؛ ابنا العمّ علي ومحمود فاخوري من الناصرة؛ زياد أيوب من نحف؛ جمال قبوعة من كفر قرع وزكي محمد محاجنة من أم الفحم. قتل كلّ هؤلاء في الأسابيع الأخيرة فقط. لكلّ منهم اسم وأحلام وتطلّعات. قُتلوا جميعهم بوحشيّة، لينضمّوا إلى قائمة طويلة بأسماء ضحايا تتزايد أعدادهم كلّ يوم.
تتجاهل الشرطة حقيقة أنّ العنف والجريمة في المجتمع العربيّ هما نتاج سنوات طويلة من السياسات التمييزيّة في كل مناحي الحياة، تجاه المجتمع الفلسطيني في البلاد، إلى جانب التجاهل أو التجاهل المقصود لتطبيق القانون وفرض النظام. لذلك، فإنّ التباهي بمعطيات جُمعت قبل فترة وجيزة، دون الأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى تؤثّر على العنف والجريمة في المجتمع العربيّ، يدلّ على أنّ ما حصل هنا ليس إلّا دعاية ترويجيّة للشرطة.
على الحكومة والشرطة أن تذوّتا أنّ معالجة الجريمة والعنف في المجتمع العربيّ تتطلّب سيرورة طويلة الأجل، لا يمكنها أن تقتصر على بضعة أشهر، ولا يحدث فيها تغيير جذريّ بواسطة آليات تطبيق القانون فقط. يجب أولًا العمل على فكّ لغز جرائم القتل ومحاكمة المجرمين، بشكل فوريّ وبدون مبررات، بالإضافة لاجتثاث المنظّمات الإجراميّة من جذورها وتجفيف "مواردها الاقتصاديّة" ومحاربة ظاهرة الأسلحة غير المرخّصة. ولكن بدون معالجة شموليّة للعوامل الجذريّة، مثل التربية والتعليم، الحيّز العامّ، المواصلات العامّة، ضائقة السكن، الائتمان للقروض العقاريّة وفرص عمل للشباب المتواجدين خارج إطار العمل والدراسة، لن يحدث تغييرًا حقيقيًّا.
المعالجة الممنهجة للعوامل الجذريّة المسبّبة للجريمة في المجتمع العربيّ لا تحتمل التأجيل، حتّى على ضوء حلّ الحكومة وانعدام الاستقرار السياسيّ.
على الحكومة في دولة إسرائيل أن تعترف أوّلًا بالأقلّيّة الفلسطينيّة كأقلّيّة أصلانيّة ذات حقوق فرديّة وجماعيّة. ثانيًّا، العمل على المساواة في الحقوق المدنيّة والسياسيّة. وعليه أدعو الحكومة للنظر مباشرة إلى الشباب العرب ورؤية المشاكل الحقيقيّة التي تؤدّي بهم إلى الجريمة، ومعالجتها بشكل كامل.
أمّا نحن، أبناء المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في إسرائيل، علينا التعاون والتفكير معًا في حلّ جماهيريّ-اجتماعيّ يلبّي مختلف الاحتياجات العاطفيّة والمهنيّة للشباب. من الجدير بالذكر، أنّ العديد من المبادرات الفرديّة والجماعيّة قد انطلقت من أجل محاربة العنف والجريمة وهي مبادرات مباركة وهامّة، لكنّها هي غير كافية. يجب على كلّ المبادرين والمؤسّسات والجهات المعنيّة التكاتف والتفكير معّا وبلورة مسارات عمل مشتركة، سياسيّة، اجتماعيّة وجماهيريّة وتوزيع المهام بينها، من أجل تدعيم الشباب العرب وحمايتهم من الانزلاق نحو هوة العنف والجريمة.
وصال رعد هي مركّزة تغيير السياسات في مجال مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربيّ في جمعيّة سيكوي-أفق.
[email protected]
أضف تعليق