يعد فصل الربيع هو أحد المعالم البارزة للحياة في نيودلهى، إذ تخترق أشعة الشمس الذهبية ضباب الشتاء وأوراق أشجار الجامون على مدى بضعة أسابيع في شهرى فبراير ومارس مما يؤدى إلى ارتفاع درجة حرارة العاصمة الهندية بعد شهور من البرد القارس، كما أنه عادةً ما ترتبط الزيادة الطفيفة في درجات الحرارة قبل فصل الصيف بظهور عربات الباعة المتجولين التي تبيع المانجو والفواكه الأخرى.
ولكن يبدو أن كافة هذه العادات اختفت فجأة هذا العام، إذ إنه ما إن انتهى برد الشتاء حتى بدأت موجات قاسية من الحر الشديد، حيث كان شهر مارس الماضى هو الأكثر حرارة على الإطلاق، ثم تجاوزت درجات الحرارة في نيودلهى 40 درجة مئوية بحلول إبريل ووصلت إلى 49 درجة مئوية في مايو، وهو الأمر الذي تكرر في معظم أنحاء شبه القارة الهندية، حيث تتجاوز درجات الحرارة في مدينة جاكوب آباد الباكستانية 50 درجة مئوية، ووصلت إلى مستويات لا يستطيع البشر تحملها.
ويبدو أن موجات الحر قد أصبحت هي الوضع الطبيعى الجديد في جميع أنحاء المنطقة، إذ وجدت دراسة أجراها مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة أن فرص حدوث موجة حارة غير مسبوقة في الهند وباكستان هي أكثر احتمالًا 100 مرة بسبب تغير المناخ.
ولا يوجد مكان آخر على وجه الأرض يتعرض فيه الكثير من الناس لمثل هذه الحرارة الشديدة، ويقول الباحثون إن هذا أيضًا يعد مقدمة مُقلقة للأجواء التي يمكن أن يتوقع الملايين حول العالم مواجهتها.
ويقول عالم المناخ في المعهد الهندى للأرصاد الجوية المدارية روكسى ماثيو كول: «تعد هذه المنطقة الواقعة في جنوب آسيا بمثابة صورة مصغرة لمشكلة تغير المناخ»، مشيرًا إلى موجات الحر الأخيرة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة وأماكن أخرى، وأضاف: «صحيح أن الأمر ليس متعلقًا بالهند فقط، ولكنها تواجه السيناريو الأسوأ».
ويستطيع البعض استخدام مكيفات الهواء، كما يختار العديد من الهنود من الطبقة المتوسطة والأثرياء قضاء عطلات نهاية الأسبوع في المراكز التجارية بدلًا من المتنزهات على سبيل المثال، ولكن الهروب من الحرارة هو ترف، إذ إنه وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن 5٪ فقط من المنازل الهندية كانت لديها مكيفات هواء في عام 2018، وذلك مقارنة بـ90٪ في الولايات المتحدة، ويقدر الاقتصاديون أن ما يصل إلى 80٪ من الوظائف في الهند غير رسمية، وغالبًا ما تكون في الهواء الطلق في الزراعة أو البناء، مما يترك العمال عرضة للحرارة الشديدة القاسية، وهو الأمر الذي يزداد سوءًا في المدن بسبب مواد البناء المُستخدَمة فيها.
ويؤدى الطقس القاسى لعواقب اقتصادية وصحية وخيمة، حيث وجدت دراسة أجريت عام 2021 في مجلة «لانسيت» أن الهند ودول جنوب آسيا الأخرى كانت من بين الدول الأكثر تضررًا على مستوى العالم بسبب خسائر الإنتاج والوفيات المرتبطة بالحرارة.
ويقول الباحث في المعهد الهندى للتجمعات البشرية، أمير بازاز، إن «القلق بسبب ارتفاع درجات حرارة الجو يمكن أن يدفع الأسر الضعيفة إلى الفقر حيث يجد المعيلون أنفسهم يكافحون من أجل العمل»، مضيفًا أن «جوهر المشكلة هو أن الاقتصاد في المدن الهندية يعد غير رسمى إلى حد كبير، ولذا فإن أي صدمة طفيفة يمكن أن تدفع الناس إلى الوقوع في أعماق الفقر».
وبينما تستثمر السلطات الهندية في الطاقات المتجددة والموارد الأخرى للمساعدة في الحد من ارتفاع درجات الحرارة، فإنها تركز أيضًا على التكيف مع الأجواء الجديدة، إذ تهدف خطط العمل المتعلقة بالحرارة إلى مساعدة المدن في كل شىء بدءًا من أنظمة الإنذار المبكر وحتى الاستثمار في «الأسطح الباردة» التي تصرف ضوء الشمس بعيدًا عن المبانى، ولكن الباحثين يقولون إن هناك حاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات.
وتحمل موجات الحر في الهند آثارًا غير مباشرة على بقية دول العالم، فبعد أن دمرت درجات الحرارة المبكرة العديد من المحاصيل هذا العام بما في ذلك القمح، حظرت السلطات الهندية الصادرات، وهى الخطوة التي ساعدت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم.
[email protected]
أضف تعليق