لم أتردّد في اقتناء كتاب "حليم وأنا"(1) عندما عثرت عليه في إحدى المكتبات، التي باتت نادرة في بلداتنا، قبل مدة وجيزة، رغم أنه صدر بعد 33 عاما على رحيل العندليب(2)، وهذا العام مرّ 45 عاما على غيابه. توقعت أن أعثر في الكتاب على معلومات أو أسرار لم يسبق لي أن عرفتها عن عبد الحليم، خاصة وأن كاتبه طبيب عبد الحليم الخاص لسنوات طويلة، وأحد المقربين جدا منه. وكم كانت خيبة أملي كبيرة بعد قراءة الكتاب، ومن هنا يطرح السؤال لماذا تأخر طبيب حليم في اصدار كتابه عن حليم، وما الجديد الذي يمكن أن يحمله بعد تلك السنوات على رحيله؟
يوضح لنا المؤلف أن سبب اصدار الكتاب يعود الى لقاء بينه وبين الصحفي عبد الله السناوي، رئيس تحرير جريدة "العربي" الناصرية في مكاتب الجريدة، عندما حضر عيسى ليسلم السناوي مقالا حول رواية "شيكاجو" للكاتب علاء الأسواني، وفوجيء بالسناوي يطلب منه كتابة قصة حياة حليم لنشرها في الصحيفة على حلقات. وهكذا انطلق د. هشام يلملم أوراقه ويستعيد ذكرياته ويتصل بأصدقائه ليجمع المادة بأفضل صورة، ويمكن القول إن الدكتور قدم لنا عملا حافلا بالذكريات حول حليم في مختلف المجالات، وعلاقاته الفنية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وقصص الحب وعلاقته بالنساء والزواج، لكنه لم يرو عطش محبي عبد الحليم ومتابعي سيرته، فالطبيب قدم لنا جرعات من الدواء دون شرح واف عنها وترك المجال للتأويلات والتحليلات، وأظن ان تأخره لأكثر من ثلاثة عقود أساء لكتابه الذي كان من الممكن أن يشكل مرجعا، لو أصدره خلال العقد الأول من رحيل حليم، فالصحف والمجلات المصرية خاصة، أشبعت القراء بالذكريات واللقاءات وكشف المجهول بشكل سنوي في ذكرى رحيله، بحيث لم يتبق للدكتور هشام الكثير من المفاجآت التي كان يمكن له أن يقدمها للقراء من خلال كتابه، وبهذا خسر تلك الفرصة.
ما حقيقة الزواج من سعاد حسني؟
من أبرز الشهادات حول العلاقة المحيّرة بين حليم وسعاد، هي تلك التي وردت في كتاب الدكتور هشام عيسى، والذي يؤكد فيها أن الزواج لم يحصل بينهما، رغم قصة الحب الكبيرة والمعروفة التي جمعتهما، والتي نمت ووصلت ذروتها عام 1961، خلال رحلة الى المغرب لمجموعة من الفنانين من تنظيم إذاعة "صوت العرب"، وفيها خطط حليم وسعاد لزواجهما، وكان شاهدا على ذلك الإذاعي وجدي الحكيم المقرب منهما، ويقول طبيب عبد الحليم عن ذلك " خلال الرحلة وصلت قصة الحب بين حليم وسعاد إلى ذروتها، عاش العاشقان أسعد أيامهما، ارتشفا رحيق الحبّ كاملا، كانا لا يفترقان أبدا ولم يكتما شيئا، ولمس كل من كان بالرحلة مدى التطور في حبهما فقد اتفقا على الزواج" (ص 66). وأخذا يخططان لذلك بتفاصيله الصغيرة حتى في اختيار أثاث منزلهما المستقبلي، وطلب حليم من صديقه وجدي الذي بقي في المغرب أن يقوم باجراءات شحن الأثاث لمصر، لكنه فوجيء بحليم يتصل به من القاهرة طالبا منه إيقاف إجراءات الشحن، وعندما سأله عن السبب رد عليه حليم "لقد ألغي الزواج"! (ص 67). وبعد ذلك تزوجت سعاد من المخرج علي بدرخان، ورغم استمرار الصداقة بين الدكتور هشام والنجمة سعاد بعد وفاة حليم، الا أنه لم يجرؤ أو لم يجد المناسبة لسؤالها عن سبب تراجعها عن قرارها بالزواج من صديقه حليم، وهذه فرصة أخرى أضاعها طبيب حليم لسذاجة غير مفهومة.
المرض رفيق حليم في الحياة
المرض شكل موضوعا مثيرا رافق عبد الحليم في حياته وموته، ومن يمكنه أن يسرد لنا قصة حليم مع المرض أفضل من طبيبه الخاص؟ يقول الدكتور هشام عن الثنائي حليم والمرض "أما المرض فهو أول ضيف التقى به.." و"حليم هو أشهر مريض بالبلهارسيا" (ص 69). يروي لنا قصة المرض معه والنزيف الكبير والخطير الذي حصل له يوم رحيل الرئيس جمال عبد الناصر المفاجئ يوم 28 سبتمبر 1970، ونقل على أثره للمستشفى وهناك انتقل اليه فيروس "ب" مع زجاجة الدم التي نقلت له، كما كانت أشد نوبات النزيف تلك التي حدثت له في المغرب بعد عامين عقب انهائه لإحدى حفلاته، ومكث جراءها 15 يوما في المستشفى بين الموت والحياة.
يستنكر عيسى ما روج عن افتعال المرض من قبل حليم، بينما عانى منه في الواقع أشد معاناة، كما أنه أثر على انتاجه الفني عكس ما قيل بأنه استغل المرض للترويج لفنه. وفي هذا الجانب أيضا لا يأتي طبيب عبد الحليم بجديد، فهل هناك غرابة أكثر من ذلك؟!
علاقة عبد الحليم بالثورة وقائدها
قيل وكتب الكثير عن العلاقة المميزة التي ربطت الفنان عبد الحليم حافظ بثورة 23 يوليو وعلى نحو الخصوص بقائدها جمال عبد الناصر، فكيف رأى طبيب حليم تلك العلاقة وماذا قال عنها؟
"تواءمت المسيرتان"، مسيرة الثورة ومسيرة عبد الحليم الفنية، حيث انطلقتا معا وشهدتا النجاح والتأييد الجماهيري فتلازمتا طوال الطريق. فارتفعت مكانة عبد الحليم في عهد الثورة وانشاء المشاريع الفنية برعاية الدولة الناصرية. وكما اكتسب عبد الناصر محبة العرب هكذا أيضا عبد الحليم، حيث يشهد عيسى بأنه في كل بلد عربي زاره، كان المعجبون يتحلقون حوله ورغم العناء والمرض لم يخذلهم حليم.
وتنامت العلاقة بين الزعيم السياسي والفني حتى أن عبد الناصر تصدى بنفسه لحملات صحفية مسيئة لعبد الحليم، قائلا لمروجيها إنه " يعتبر حليم جهازا إعلاميا وسفارة متنقلة لمصر وللقومية التي يدعو لها.." (ص 104). ولم ينقطع غناء عبد الحليم في عيد الثورة طيلة عهد عبد الناصر. ترى ما الجديد الذي قدمه مؤلف الكتاب ولا نعرفه في هذا الجانب؟
الطبيب الخاسر لعملية الذاكرة التاريخية
أفرد الكاتب جزءا كبيرا من مذكراته، لقصة حليم في المغرب وخاصة عند وقوع انقلاب ضد الملك الحسن الثاني، أثناء تواجد حليم ومجموعة فنية مصرية كبيرة، امتد على ثلاثة فصول من صفحة 38 -62 من الكتاب، وهو أمر مبالغ فيه برأيي، ولا أدري ما الجدوى في إطالة الحديث عن علاقة عبد الحليم بالملك المغربي، وعما تعرض له عبد الحليم لدى محاولة الانقلاب عن الملك، وقد سبق للصحف والمجلات أن كتبت التقارير الموسعة عن ذلك الحدث، ولم يبق ما هو مثير فيه، أضف إلى ذلك أن الكاتب لم يأت بأي جديد في هذا المجال، فما الفائدة من هذه الإطالة؟
ما ورد في كتاب "حليم وأنا" من معلومات وقصص، معظمها معروف لنا ولا تحمل جديدا. كان من المفروض أن يأتي لنا طبيب عبد الحليم الخاص، بأحداث وقصص مجهولة أو غير معروفة من حياة حليم، وإذا كان الصحفي منير عامر في مقدمة الكتاب قد رأى "في هشام عيسى وما كتبه شهادة من "الأمانة الرحيمة" لنجم لمس قلوبنا"، فانه يمكنني القول إن هشام عيسى وما كتبه شهادة من "الأمانة السقيمة"، لم يحسن الطبيب معالجتها للأسف، حيث لم يحمل كتابه عن حليم ما هو مثير أو يضيف إلى ما كنا نعرفه، وبذلك يكون قد أضاع فرصة تاريخية سنحت له وهو الانسان المقرب جدا من حليم، بتقديم معلومات لم تكشف من قبل تترك أثرا في نفوس القراء وذاكرة التاريخ.
إشارات:
1) هشام عيسى – حليم وأنا- دار الشروق، القاهرة، ط. أولى 2010
2) توفي عبد الحليم حافظ يوم 30 آذار 1977
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]