تشهد مواقع التواصل الاجتماعي، بالأيام الأخيرة، تفاعلا ضخما حول الفيلم الفلسطيني "صالون هدى" من إخراج هاني أبو أسعد، وأدوار رئيسية، لـ منال عوض، ميساء عبد الهادي، وعلي سليمان.
وعبّر رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن آرائهم حول الفيلم، وتباينت الآراء بين مؤيد ومعارض، ومن وجّه نقدا متزنا.
ومن هذه الآراء، رأي الكاتب الفلسطيني أنور حامد، الذي نشره على حائطه على "فيسبوك" وكتب" في إحدى الحروب والقصف الإسرائيلي لغزة أذكر أن فتاة كتبت على تويتر "كل ليلة أنام بالجلباب والحجاب ، حتى إذا قصفت بنايتنا ومت لا يراني أحد إلا بكامل لباسي الشرعي". ربما هذا يفسر حالة الهلع التي أصابت البعض من مشهد المرأة العارية في الفيلم. لا يهم ما يحدث مع المرأة، تقتل، تنتهك،تدمر حياتها، المهم "الستر"…هذه الثقافة السائدة حاليا…ثقافة "التستر على فضيحة المرأة"، ومن امتداداتها مثلا معاقبة من تتعرض للاغتصاب، أحيانا بقتلها، قتل الضحية!".
ومن جهته نشر الفنان هاني خوري على حائطه على "فيسبوك" وكتب "معنديش رأي ب فيلم صالون هُدى..محضرتوش.. ومش راح احضره لانو عِمِل ضجة هلقدي كبيرة بالوقت اللي فيو في اشياء ثانيه مستفزة اكثر من اي مشهد سينمائي "يخدش الحياء". ولا اشي راح يستفزني اكثر من إقتحامات المستوطنين للمسجد الاقصى.. هدم البيوت، مصادرة الاراضي، حملات الاعتقالات الشاسعه، إرتقاء شهداء بشكل مستمر، الأسرى والأسيرات، الاستشراس في بناء المستوطنات.. الخ
بس الأكيد، اني ك فنان وبشكل شخصي عم بحكي وكل شخص حر بطريقة انتاجه وعرضه، لما بدي أعمل إنتاج فني، بوخذ في عين الاعتبار المجتمع وضوابطه.".
وعبّر الكاتب والباحث الغزاوي عزيز المصري عن رأيه على حائطه الخاص على "فيسبوك" وكتب " من شوي خلصت مشاهدة فيلم صالون هدى .. القصة قصة واقعية قرأنا عنها زمن الانتفاضة الاولي وكان عنا في غزة اشهر كوافير متورط في هيك قصص .. لكن السيناريو ضعيف وضعيف جدا وبين السطور رسائل خطيرة جدااا مثل التبرير الغير واقعي لإسقاط الفتيات المعنفات من ازواجهن ومشهد المحقق مع هدي شوي وهدي تسقط المحقق مشهد هزلي مضحك .. مشهد التعرى الكامل لم اراه في الأفلام الأجنبية كان ممكن الاستعاضة عنه وانا هون مش ضد الابداع او التابوهات وما بعرف شو بس المشهد مقزز ومقرف جدااا وليس له علاقة بابداع السينما والابداع لا يكون بهذا الشكل المتبذل ... عمل ضعيف جداااا ولم اكن احبذ هذا الدور لممثلة لمثلت دور ريم فهي فنانة تمتلك من الابداع ما يؤهلها لأعمال اكبر واقوي بكثير .. تقييم 2 من 10".
ونشر الكاتب والروائي علاء حليحل رأيه على صفحته الخاصة ب"فيسبوك" وقال " بعد أن شاهدتُ فيلم #صالونهدى عرفتُ لماذا ارتعب الكثيرون من مشهد العري للممثلة #ميساءعبدالهادي : لأنّ عُري المرأة الفلسطينيّة التي خدّرتها عميلة المخابرات الإسرائيليّة وصورتها مستلقية إلى جانب شاب فلسطيني تعرّى هو الآخر تمامًا، كشف عُريًا أكبر طرحه كاتب ومخرج الفيلم #هانيأبو_أسعد : عُري الخوف من الفضيحة الذي يشلّ أيّ مجتمع محافظ، وبالتالي يكون أقصر الطرق إلى التحريض على الخيانة الوطنيّة.
الفيلم يحكي قصة ريم التي تتورط بمكيدة تصويرها عارية ومخدَّرة في السرير مع رجل عارٍ، وعليها أن تتعاون مع "موسى" من المخابرات الإسرائيليّة كي يتستروا على فضيحتها. مجتمعها قاس وزوجها ليس سندًا لها. وهي تحاول طيلة الشريط أن تهرب من هذه الورطة، فتتأرجح في النهاية بين "موسى" وبين شباب المقاومة؛ الطرفان يريدانها أن تُوقع بالطرف الآخر في كمين. النهاية تتركنا من دون حلّ لهذه المعضلة لأنّها معضلة من دون حلّ.
الجسد الفلسطينيّ مُنتهَك في كلّ مكان وزمان، بالعنف والنار وبالمراقبات والتجسّسات التقنية الذكيّة. لذلك أعتقد أنّ مشهد العري المذكور هو صادم على مستويين: أولًا ردّة الفعل الفورية لرؤية جسد امرأة في فيلم فلسطيني أو عربي؛ والصدمة الثانية هي رؤية كيف يتمّ الإيقاع بالنساء وتشغيلهن في خدمة المخابرات الإسرائيليّة كجاسوسات. وهذا يُجرّدنا كفلسطينيّين من مفهوم #الرجولة التقليديّ الذي يعني بالضرورة قدرة الذكر على حماية أنثاه من الانتهاك. إنّها إطلالة قاسية ومؤلمة على ما يحدث من وراء الكواليس من تجليات الضعف البشريّ وخياناتنا لبعضنا البعض التي لا حصر لأسبابها.
ميساء عبد الهادي تعرض في "صالون هدى" واحدًا من أقوى وأمتن الأداءات التمثيليّة في تاريخ السّينما الفلسطينيّة، وبالأخص للأدوار النسائيّة. حضورها طاغٍ وقلقها المتصاعد الكلاستروفوبيك يخنق المشاهد شيئًا فشيئًا، ويُربك المعادلات التي تضع الصواب والخطأ في معادلة واحدة يتيمة من "الأبيض" و"الأسود". ما يُحزن حقًّا أنّ الهجوم الآن والانتقاد لهذا المشهد سيُنسي الكثيرين ما قدّمته عبد الهادي من أداء دراميّ خالص، وعلاقتها الجميلة والمؤثرة والمتناغمة التي طورتها مع كاميرا أبو أسعد.
العُري في الإبداعات الفنيّة موجود منذ البدايات، ونشأ وتطوّر في الفن التشكيليّ. ويُميّز موروث النقد الفني بين كلمتيْن إنجليزيتيْن: nudeness و nakedness. الناقد الفذّ #جون_بيرجر يُميّز بينهما في كتابه "طرق الرؤية" فيقول: #nudity تعني إظهار الجسد بطريقة جنسيّة لجذب الانتباه والخضوع لتقييمات المتلقي بخصوص هذا الجسد. أمّا #nakedness فتعني أن يكون الشخص حقيقيًّا بحضوره الصّادق من دون أن يأبه بتقييمات وأحكام المتلقي/ة حول هذا العري. ويقول بيرجر إنّ الفرق يتجلى مثلًا بين راقصة التعري التي تعرض جسدها لمتعة وأحكام الرجال المتفرجين، وبين التعري الاحتجاجي مثلًا لحركات نسوية معاصرة مثل " Free the Nipple" اللاتي يخلعن ملابسهنّ من دون اهتمام بردود الآخرين على أجسادهنّ (وخصوصًا الرجال). جسد ميساء عبد الهادي كان عُريًّا احتجاجيًّا صارخًا على تسخير المخابرات الإسرائيليّة لأجساد النساء الفلسطينيّات المُنتهَكة، وعلى ردّ فعل المجتمع الفلسطينيّ على هكذا "فضيحة". عُري ميساء عبد الهادي لا عُري فيه؛ إنّه الكفن المؤجّل الذي ينتظر قتل/ انتحار/ موت المرأة المغدورة.
ولكلّ الحساسين من المشاهد "الخادشة للحياء" والتي تعلو أصواتهم كثيرًا في الآونة الأخيرة لا بدّ من القول ببساطة: يا جماعة اكبروا عاد!".
وكتبت الصحافية رشا حلوة على حائطها الخاص ب "فيسبوك" " الفلسطينيات أيضاً لديهن أجسام، ولهن الحقّ بأن يفعلن بأجسامهن ما يشأن، بعيداً عن إملاءات الرجال الفلسطينيين أو أي وصاية كانت، باسم الوطن، القضية، الدين، إلخ.. أجسامنا ملكنا وحدنا.".
[email protected]
أضف تعليق