لطالما قدّمت الساحات الصورة الأكثر تعبيرًا عن أحوال أيّة مدينة أو بلدة، فهي مكان للالتقاء ومنطلق للاحتجاجات ومطرح للمناسبات العامّة... وفي أوروبا، تلعب الساحات دورًا في استقطاب السائحين، بخاصّة أنّها غالبًا ما تكون مزنّرة بمبان ذات رمزيّة تاريخيّة أو سياحيّة، وبالمقاهي والمطاعم و"البوتيكات" أي باختصار هي أماكن نابضة بالحياة.
سنسلّط الضوء على ثلاث ساحات أوروبيّة تستعيد عافيتها راهنًا، بعد أن كانت مقفرة جرّاء الحظر االذي كان مفروضًا، في إطار الوقاية من فيروس "كورونا" المستجدّ.
ساحة "نافونا"
يرجع تاريخ ساحة "نافونا" في روما إلى القرن الخامس عشر، وذلك في موقع ملعب سابق (استاد دوميتيان)، وهي لم تتغيّر كثيرًا على مرّ السنين لناحيّة الحيويّة التي تميّزها، فقد كانت على الدوام مكانًا لاستضافة المسابقات الرياضيّة وخليط الناس، ولمّا تزل نقطة جامعة راهنًا لعدد كبير من فنّاني الشوارع، من رسّامين وموسيقيين وبائعي الهدايا التذكاريّة والمحليين والسائحين... تزنّرها مجموعة من المقاهي الأنيقة ومحال بيع البوظة الإيطاليّة (جيلاتو)، ممّا يجعلها مليئة بالحياة من الغسق حتّى الفجر.
إلى الطابع الحيوي للمكان، تجعله الهندسة المعماريّة المذهلة جذّابًا، بخاصّة النوافير والمباني من عصر الباروك المحفوظة جيّدًا والقصور الأنيقة في الساحة، التي تبدو كأنّها متحف في الهواء الطلق.
تتركز ساحة "نافونا" حول ثلاث نوافير، علمًا أن "فونتانا دي كواترو فيومي" أو "نافورة الأنهار الأربعة" تمثّل العنصر الأكثر تصويرًا في الساحة، وهي عبارة عن مسلّة مصرية طويلة، مع تجسيد لأربعة أنهار، هي: النيل والغانج والدانوب ولا بلاتا.
النافورتان الأخريان أي " مورو" و"نبتون" هما أصغر حجمًا؛ شُيّدت الأولى في سنة 1576، علمًا أنّها في سنة 1654 تحوّلت من خزّان للمياه إلى نافورة مزخرفة تصوّر مورو يُقاتل الدلافين، والثانية في سنة 1574 من قبل جياكومو ديلا بورتا، وهي تحمل تماثيل لنبتون محاطة بحوريات البحر.
النشاطات السياحية في الساحة كثيرة، وتشغل الحواس، سواء تعلّق الأمر بتذوّق الـ"آيس كريم" أو باستكشاف متحف روما في قصر براشي، وهو قصر كلاسيكي حديث يشتهر بمجموعته الضخمة من اللوحات والرسومات والصور الفوتوغرافيّة والكتب والأثاث والسيراميك التي تصور التاريخ الفخم لروما من العصور الوسطى حتّى منتصف القرن العشرين. وهناك طبقتان (الثانية والثالثة) للمعرض الدائم، وطبقة خاصّة بالمعارض الدوريّة التي تنظّم في المكان. وهناك، تحلو الإطلالة من النافذة على "نافونا".
ساحة البلدة القديمة في براغ
في حضور الصروح الدينيّة المهيبة والعمارات الجذّابة، لا عجب في أنّ ساحة المدينة القديمة في براغ غالبًا ما تعتبر واحدة من أجمل المواقع التاريخيّة في أوروبا. كانت الساحة شُيّدت في القرن الثاني عشر، وهي تحضن سلسلة من المعالم السياحيّة المثيرة للاهتمام، مثل: بلدة المدينة القديمة التي ترجع إلى القرن الرابع عشر وساعة براغ الفلكيّة والصروح الدينيّة، أحدهما (سان نيكولا) بطراز الباروك.
تتعدّد أنماط العمارات في الساحة، بالإضافة إلى حضور مجموعة من مقاهي الرصيف، ممّا يجعل منها مكانًا مُميّزًا. من المعالم السياحية في الساحة، قاعة المدينة القديمة. كان البناء الذي يرجع تاريخه إلى القرن الرابع الأكثر ارتفاعًا في براغ، وعلى الرغم من فقد هذه الصفة، هو لا يزال بارزًا. القاعة عبارة عن مجموعة مبان قديمة موصولة بالبرج القوطي (وهو نفس البرج، الذي يمكن مشاهدة الساعة الفلكيّة) واحدًا تلو الآخر خلال القرون حيث كان التوسع ضروريًّا غالبًا لأغراض الإدارة واجتماعات المجلس). هناك، يحلو تأمّل الساعة الفلكيّة، والانضمام إلى جولة إرشادية في "أولد تاون هول تحت الأرض"، كما استكشاف الصرح الديني قوطيّ الطراز.
الساعة الفلكيّة بدورها، تُعرف أيضًا بـ"براغ أورلوج"، وهي ثُبّتت في بداية القرن الخامس عشر، وفريدة للغاية لأنها الساعة الفلكية الأكثر قدمًا التي لا تزال تعمل في العالم.
ساحة "ترافالجار"
تقع ساحة "ترافالجار" في قلب لندن، وهي واحدة من الأماكن المفتوحة الأكثر حيويّة في المدينة، وتستضيف الاحتفالات والتجمّعات والتظاهرات. إلى الجانب الشمالي من الساحة، يقبع "المعرض الوطني" الذي بني في سنة 1824، ويعرض أكثر من ألفي لوحة غربية من العصور الوسطى إلى القرن العشرين.
يسهل بلوغ الساحة بوساطة محطة مترو الأنفاق؛ ومن المعالم السياحيّة في المكان:
| المعرض الوطني: المتحف الوطني هو المتحف الرابع الأكثر زيارةً في العالم، ويحتوي على أعمال أساتذة التشكيل، مثل: فان غوغ ومونيه وترنر وهولباين. ينظّم المعرض العديد من المحادثات للضيوف، بالإضافة إلى جولات للمجموعات.
| المعرض الوطني للصور: يحتوي المعرض المؤسس في سنة 1856 على لوحات جميلة لشخصيّات بريطانية عظيمة عبر القرون، بالإضافة إلى بعض الأسماء والوجوه المعترف بها عالميًّا. وينظّم المعرض أنشطة خاصّة بالأطفال.
| عمود نيلسون: يرتفع العمود الذي يستذكر الأدميرال اللورد نيلسون 51 مترًا، وهو معدّ من الجرانيت، وذلك في سنة 1843. كان يُنظر إلى نيلسون على أنه البطل الذي قاد بريطانيا إلى النصر في معركة ترافلجار، بيد أنّه قضى بشكل مأسوي في هذه العمليّة. تزدان قاعدة العمود بلوحات أربع منفّذة بالبرونز لإحياء ذكرى الانتصارات البحرية البريطانية وكذلك وفاة نيلسون. وهي محاطة بأربع أسود من البرونز أُضيفت لاحقًا في سنة 1868. كانت الأسود مكانًا شائعًا لالتقاط الصور من قبل السائحين، ولكن منذ سنة 2011 لم يعد يُسمح بتسلّقها.
[email protected]
أضف تعليق