*أعلنت لجنة التحكيم في مهرجان الممثل المسرحي الواحد "مسرحيد" أن الممثل سهيل حداد فاز بجائزة أفضل ممثل لقاء دوره في مسرحية "عيون بتحكي"، نص ميخائيل موريس رايخ، وإخراج أكرم تلاوي الذي فاز بجائزة أفضل مخرج. وكان المهرجان قد أقيم في قاعات الفرسان الأثرية في عكا في شهر أيلول سبتمبر الجاري.
أصل الحكاية
مسرحية "عيون بتحكي" هي دراما اجتماعية عاطفية، ويدور في صلب الحدث حوار حادّ بين أب وابنه، وزوجة الابن، على وجود ومكانة كلب عجوز يعيش في بيت الابن. تفرض الأحداث نفسها، وتجري حول اعتبار الكلب حالة سيكولوجية حيوانية داخل الإنسان بصورة عامة. ويتضح للأب، أن كنّته هي الحاكم في البيت، والآمر الناهي والمتسلط على حياة الابن. فيقرر الأب السفر إليهم، بعد شهر من وفاة زوجته، ليقف عن كثب على تطورات الأمور في البيت والعلاقات مع عائلة الابن، ومكانته في هذا البيت. كما يضع لنفسه هدفًا بإعادة العلاقات الزوجية إلى مسارها الطبيعي.
ولكن ما أن يصل الأب إلى بيت ابنه حتى يصاب بالذهول نتيجة تفضيلهم الكلب عن أي شيء آخر، أو إنسان آخر. ويحظى هذا الكلب بالدلال والعناية الفائقة، والطعام المميّز، والشراب المقطّر، والاهتمام الطبّي الذي لا يوصف. فيشعر الأب أن الكلب ينافسه في مجالات الحياة والعناية الخاصة به كعجوز، أو مسنّ. ويقارن عمره بعمر الكلب، فيشعر بالغيرة والحسد، ويتطور هذا إلى حقد وبغض وكراهية، فيقرر أن يتخلص منه، بأن يفتح له الباب ليخرج فلا يعود يضايقه، وتراوده الخواطر، هل الأفضل أن يقتل الكلب ويذبحه ويجز عنقه؟
تتضارب الأفكار في ذهن الأب، الذي يلعب دوره الممثل سهيل حداد، ويترصد الفرصة المواتية ليقتل الكلب، ويبدأ بشحذ السكين ثم يخبئها في جيبه، ويرسم خطة لمواجهة الكلب، وكيف سيتخلص من آثار الدم، وجعل هذه الخطة محكمة بحيث لا ينتبه أحد من أفراد الأسرة إلى غياب الكلب إلا بعد مرور ساعات.
وفعلا، في صبيحة اليوم الموعود، يغادر الابن وزوجته بيتهما، ويوصيان الأب بالعناية بالكلب، ليقدّم له الطعام والشراب ويخرج به في نزهة قريبة، ويقفلان الباب خلفهما. فيشعر الأب بفرح واغتباط لأنه انفرد بالكلب، وسيجهز عليه، ويتخلص أخيرًا من هذا المنافس الذي سرق منه لذة الحياة ومتعة العيش. فيسحب السكين ويدخل غرفة الكلب، ويهمّ بضربه، لكن الكلب ينظر مباشرة في عيني الأب، وكأنه يستفسر بهما عن العطف والحنان في قلبه، وعن العلاقة المباشرة معه، والملاطفة التي اعتاد أن يمنحه إياها أهل البيت، فتحركت مشاعره ورقّت عاطفته، وشعر بعاطفة وحنو مما جعله يشفق على الكلب. فيبتسم للكلب، ويعانقه عناقا دافئا، فيلحسه الكلب لحسة طويلة.
المخرج أكرم تلاوي
"عيون بتحكي" من إخراج أكرم تلاوي، وهو خريج معهد "نيتسان نتيف" في تل أبيب، وقام بعدة أدوار مسرحية وسينمائية، ثم بدأ يعمل على إخراج المسرحيات في أوروبا، والأعمال الأوبرالية في إيطاليا، وألمانيا وسويسرا وغيرها. وتربطه علاقات صداقة ومودة بالممثل سهيل حداد، واتفقا على إخراج المسرحية للمهرجان، وكان النجاح حليفهما، وقد فاز أكرم بجائزة أفضل مخرج لقاء عمله على إخراج مسرحية "عيون بتحكي".
استطاع المخرج أن يستغل فضاء صالة العرض بكل جوانبها، وهي تتسع لخمسين مشاهدًا، ولكنها احتوت على ثمانين. وجعل نصف المقاعد باتجاه نحو الداخل، والنصف الآخر بالاتجاه المقابل أيضًا، كما جعل ممرّات خلف المقاعد حول الجمهور، لكي يستطيع الممثل احتواء الجمهور كله بمضمون الحكاية، فيشعر كل فرد منهم بأنه المقصود من وراء الأحداث، وهو يريد من وراء ذاك أن يشعر الجمهور أيضًا كأنّه يشارك الممثل على المسرح، وهو جزء لا يتجزأ من العملية الدرامية.
رافقت المسرحية نغمات موسيقية جميلة لجوليانا متيني تلاوي، أضفت على الجو العام بعدًا زمنيًا وعاطفيًا ساهمت بالدخول في أجواء القصة. ولم يشعر الجمهور بغرابة القضية المطروحة، ولا بالابتعاد أو التغريب من الممثل، بل تداخل الإخراج وكافة مقومات المسرحية بنجاح، وعبرت من الممثل إلى الجمهور بنجاح.
الممثل سهيل حداد
ممثل حيفاوي المنشأ، جشّي الأصل، قام بعدة أدوار في المسرح الناهض في الأعوام 1967/ 68/ 69، ثم انتقل للدراسة في معهد بيت تسفي لفنون المسرح والسينما، وانتقل بعد تخرّجه للعمل في مسرح "الخان" في القدس. وعمل في عدة مسارح أخرى وفي مجال السينما والتلفزيون. من أهم الأعمال المسرحية التي قام بها دور "شايلوك" في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير. عمل سهيل في التلفزيون التعليمي في تل أبيب حتى خرج للتقاعد من وظيفة منتج كبير في هذا التلفزيون. ساهم مساهمة فعّالة بتأسيس مسرح السرايا اليافي، وقدم مسرحيات عديدة في أنحاء البلاد. فاز الممثل سهيل حداد سنة 2004 بجائزة أفضل ممثل في مهرجان مسرحيد لقاء دوره في مسرحية "السيد إبراهيم وزهور القرآن".
ومن اللافت أن سهيل بدأ بالعمل على مسرحية "عيون بتحكي" بينما كان المخرج أكرم تلاوي بأوج انشغاله بعمل آخر في أوروبا، فاتفق مع الممثلة العريقة سلوى نقارة، نظرا لخبرتها ومهارتها في العمل المسرحي، على أن تحلّ محله حتى يتمكن من العودة إلى البلاد وينجز إخراج المسرحية.
تمكن سهيل من تركيب الشخصية، التي لعبها أمام الجمهور بما يعرف بالسهل الممتنع، فلم يكن تركيبا معقدًا، بل تماشت مع شخصيته الخاصة، التي يبدو فيها هادئ الطباع، حارّ المزاج، مسيطرًا على مشاعره، متّزنًا بأقواله، حريصًا على انتقاء كلماته، مفكّرا بترتيب خطواته. وأسعفته تجربته المسرحية، وعمله كمخرج ومنتج تلفزيوني، كي يبني شخصيته المسرحية، بالتنسيق التام مع شخصيته الحقيقية. فنراه يمثل وكأنه يروي لنا قصة حياته هو، ويسرد لنا ما جرى بالحقيقة معه ومع ابنه وكنته.
نجح سهيل تمامًا بنقل الجمهور من واقع صالة العرض، إلى واقع أحداث القصة، وأخذنا معه في رحلة مشاعر وتجارب، وقيم أخلاقية وآداب عائلية، والحرج الذي انتابه إزاء قراره بقتل الكلب، والذروة التي بلغها مع ابنه وكنته، حتى ذرف الدمع تأثرًا وانفعالا. لم يكن بحاجة أن يبذل جهدًا أمام الجمهور بمحاولاته للاقتناع وإقناع سواه بخصوصية موقفه، وضرورة التصرف بخطوات حاسمة وحازمة حيال الكلب وحيال ابنه وزوجته، بل أخذ الجمهور معه بمتعة التمثيل، ولذة العمل المسرحي.
المسرحيد لغة جميع الشعوب
هي فكرة نشأت منذ سبع وعشرين عامًا، أطلقها الصديق الفنان أسامة مصري، في حيفا، وقد نحت الاسم "مسرحيد" من كلمتين: "مسرح ووحيد"، ثم نقلها بعد ذلك إلى المركز المسرحي في عكا، وذلك في أعقاب مهرجان مسرح التياترونيتو الذي يعرض مسرحيات لممثل واحد باللغة العبرية. وتتمحور فكرة المهرجان، حول تشجيع وعرض مسرحيات لممثل واحد، أمام جمهور المشاهدين.
كما تعمل بهذه الفكرة عدة مهرجانات مسرحية في العالم، لتعرض أعمالا في التمثيل الصامت أو العادي. وأعتقد أن عددًا لا بأس به من المسرحيات، التي عرضت من قبل، وفازت أو لم تفز بجوائز المهرجان يليق بها أن تعرض ضمن المهرجانات العالمية للمسرحيد أو تياترونيتو. فالمسرح لا يحتاج إلى لغة، لأنه لغة جميع الشعوب.
[email protected]
أضف تعليق