تحت رعاية رئيس دولة فلسطين محمود عباس، عقدت جامعة القدس المفتوحة اليوم الأربعاء، مؤتمرها العلمي السادس للتراث الشعبي بعنوان: "مؤتمر التراث الشعبي في محافظة جنين والجليل: هُويّة وانتماء".
وفي كلمة الرئيس بالمؤتمر، قال رئيس الوزراء رامي الحمد الله: إن المؤتمر يكتسب أهمية متزايدة بنسخته السادسة حيث يعقد لأول مرة بالتعاون مع أبناء شعبنا الفلسطيني في 48، ونيابة عن رئيس دولة فلسطين محمود عباس أحيي جامعة القدس المفتوحة على احتضانها هذا المؤتمر الهام بكافة دلالاته ورمزيته لتوطين التراث الشعبي لتعزيز هويتنا وتعزيز الأواصر مع أهلنا بالداخل وفي كل جزء نابض بالألم والأمل في فلسطين.
وأضاف أن تراثنا الوطني ظل لصيقا ومرتبطا بشعبنا للخلاص من الاحتلال وتصدى شعبنا لمحاولات تشويه الهوية وتشتيتها وانبعاث النضال تحت راية منظمة التحرير ثم تأسيس أول سلطة وطنية كثمرة لنضال شعبنا، وقد انبرى شعبنا على صون تراثه وحمل أرثه وتجاوز به ويلات النكبات وتحدى مخططات الاقتلاع والمصادرة.
وأوضح رئيس الوزراء أن الثقافة الفلسطينية بقيت متقدة وحية في وجه الاحتلال الإسرائيلي وأعاد شعبنا الروح والحياة لقضيته الوطنية وعبد لها الطريق لحريته، وكانت ولا تزال حاضرة في خارطة السياسة الدولية بعد أن تهددا الاندثار والنسيان، وكان التراث الشعبي سلاحا في مواجهة مخططات الاحتلال، ونحن نقترب من الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاده نستذكر أبو الوطنية الشهيد الرمز ياسر عرفات الذي نقلنا إلى دروب الثورة والكفاح والتحرر.
وقال الحمد الله: إنه مذ سبعة عقود وشعبنا متمسك بهويته وتراثه في وجه احتلال يمعن في الهيمنة على أرضنا ويقطع الأوصال ويحكم الحصار على غزة ويحاول تكريس انفصاله ويسعى لعزل القدس عن محيطها، وإسرائيل بهذا تواصل ممارساتها لاقتلاع شعبنا وتهديد تراثه ومنع التوصل لسلام عادل يفضي لقيام دولة فلسطينية ذات تواصل وقادرة على الحياة.
وأضاف، إن المصالحة هي خيار استراتيجي لا رجعة عنه وسنواصل السير فيه حتى تحقيقه، وبموضوع الأمن نأمل ان تحل هذه المشكلة في اجتماع القاهرة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري حتى نتحدث عن تمكين كامل للحكومة ودون تمكين كامل للحكومة ستكون الأمور منقوصة وكلنا أمل أن يجد الفصائل وأشقائنا في مصر حلا لموضوع الأمن.
وختم بالقول نيابة عن الرئيس أشكر كل الجهود التي أسهمت في إنجاح هذا المؤتمر والشكر الخاص لجامعة القدس المفتوحة بمجلس امنائها ورئيسها وهيئاتها الإدارية والتدريسية، فهذه الجامعة التي تحقق الإنجاز تلو الإنجاز وما هذا المؤتمر إلا واحد من الإنجازات التي تحققها الجامعة، فاليوم توصلنا مع أبناء شعبنا في الداخل ونتطلع لعقد مؤتمرات أخرى مماثلة.
بدوره، شكر رئيس الجامعة يونس عمرو رئيس الوزراء رعايته للمؤتمر نيابة عن الرئيس محمود عباس، مشيداً بجهوده الحثيثة لبناء مؤسسات الوطن ودعمها، لافتا إلى أن مشاركة رئيس الوزراء في المؤتمر تدل على حرصه واهتمامه بتراثنا الشعبي، عنوان هُويتنا، ورمز وجودنا ووحدتنا في أرضنا.
وقال عمرو: "تعدّ جامعة القدس المفتوحة رائدة في مجال الحفاظ على التراث الشعبي، حيث عقدت كثيرا من الفعاليات التي تعنى بالتراث الشعبي الفلسطيني بغية المحافظة على هويتنا الوطنية التي تتعرض للطمس والتزييف، بما يؤكد رسوخ جذورنا في هذه الأرض منذ آلاف السنين".
وتابع: "العدد الخامس من الموسوعة الفلسطينية للتراث الشعبي، الخاصة بمحافظة بيت لحم، اعتمدت من ضمن فعاليات احتفالية (بيت لحم عاصمة للثقافة العربية عام 2020م)، وتضم شتى ألوان التراث الشعبي في المحافظة، بما يكمل حلقة التراث الشعبي في أرجاء الوطن باعتباره تراثاً واحداً متماثلاً مع مراعاة الخصوصيات الطفيفة لكل محافظة".
وأوضح عمرو أن المؤتمر سيتناول مختلف أنماط التراث الشعبي في محافظة جنين ومنطقة الجليل مثل: التراث والهوية، والغناء الشعبي، والمثل الشعبي، والعادات والتقاليد، والحفاظ على التراث الشعبي وآلياته، والأزياء والملابس، والحكايات في التراث الشعبي. ثم بين أن المؤتمر السادس هو الأول الذي يعقد بالتعاون بين أبناء شعبنا في فلسطين التاريخية، وإذ أنه المؤتمر الأول الذي يتضمن مهرجاناً يعقد في مدينة الناصرة.
وأضاف، نعتز بالقدس المفتوحة أننا التفتنا منذ زمن بعيد إلى العدوان على تراثنا وموروثنا، الذي سعى الاحتلال للسيطرة عليه، فهي جامعة الوطن ولدت من رحم المعاناة، رحم الله من قضى منهم وأطال بعمر من بقي على قيد الحياة وعلى رأسهم الرئيس الأعلى للجامعة رئيس دولة فلسطين محمود عباس.
من جهته، قال مدير عام شركة جوال عبد المجيد ملحم: "نفخر أنه كان لدعمنا للمشاريع الثقافية على مدار السنوات الماضية الأثر الكبير في إثراء المشهد الثقافي الفلسطيني للحفاظ على الهوية التراثية وثقافتنا الوطنية، خصوصاً وأننا شبكة الاتصالات الخلوية الفلسطينية الأولى، التي تضع هويتها الفلسطينية كأساس في توجهاتها، وعانقت هذه الأرض لما يقارب العشرين عاماً".
وأضاف "جوال حققت نقلة نوعية لهذا العام ووفقاً لاستراتيجيتها في إثراء المشهد الثقافي الفلسطيني، من خلال دعمها لعدد من المهرجانات والمؤتمرات الثقافية والفنية، بالإضافة إلى شراكتنا مع المؤسسات الثقافية المحلية في مختلف المجالات، إذ وصلت رعاياتنا الرئيسية وفعالياتنا في هذا العام لأكثر من 300 رعاية وفعالية، كان أكثر من 20% منها في إطار تعزيز الثقافة الفلسطينية والتعليم."
وقال ملحم: "نؤكد أننا ومن منطلق مسؤوليتنا الاجتماعية أيضاً، نعمل على تطوير القطاع الثقافي من خلال صقل المواهب الإبداعية الشبابية الفلسطينية ودعمها في كافة المجالات على مستوى الفلكلور والفنون والتراث، خصوصاً وأن هذا يصب على الحفاظ على التراث والهوية الفلسطينية والتمسك بهما، الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً لنا في أوضاعنا الراهنة."
من جانبه، قال عميد كلية الدراسات العليا، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، حسن السلوادي: إن "القدس المفتوحة" جعلت من الحداثة والمستقبل سبيلاً لخدمة المجتمع وهدفاً وغاية لرسالتها وفلسفة وجودها، وتحقق لها ذلك بدعم وتوجيهٍ من إدارتها الرشيدة الواعية الداعمة للحفاظ على ثقافتنا الموروثة الأصيلة وإخراجها من دائرة التحنيط والتهميش، وزيادة توهجها على الخريطة الثقافية العالمية، رغم كل محاولات الطمس والتشويه والإلغاء التي تتعرض لها عن عمدٍ وتخطيطٍ منهجي على أيدي الغزاة المغتصبين.
وتابع: إن المؤتمر خصص لبحث التراث الشعبي في محافظة جنين والجليل معاً، من أجل ترسيخ وحدة الدم والمشاعر والآمال، وتوطيداً للروابط الوثيقة التي تجمع بين أبناء شعبنا العظيم.
وقال السلوادي: "نلتقي اليوم في أحضان هذه المدينة الصابرة المرابطة لنعيش مع تراثها التليد، نستجليه ونعايشه ونستلهمه روحاً دافعة لتأكيد حاضرنا وبناء مستقبلنا على الوجه الأجمل والأجود والأبدع، ونتمثله في حياتنا نهجاً وسلوكاً، بل زاداً نتزود به في مسيرة نضالنا وصمودنا وتضحياتنا لتحقيق أهدافنا، وانتزاع حريتنا المسلوبة من مخالب الغزاة العابرين عبور من سَبقَهمْ من الدخلاءِ المغتصبين الذين غابوا، بل غُيّبوا عن مشهدنا مرغمين، لم يخلفوا وراءهم غير العارِ والخيبةِ والفشلْ، الذي هو مآل كل معتدٍ أثيم ومصير كل مغتصب ذميم."
الجلسات العلمية للمؤتمر:
تضمن المؤتمر الأكاديمي محورين رئيسين خُصص لكل منهما جلستان، كانت أولاهما بعنوان: "أنماط التراث الشعبي والقيم الإنسانية الدينية والوطنية في التراث الشعبي الفلسطيني والمخاطر التي تهدده وسبل الحفاظ عليه"، تولى رئاسة الجلسة الأولى فيه د. طه أمارة، وتولى د. إبراهيم ربايعة رئاسة الجلسة الثانية، وقدم خلال الجلسة الأولى الباحث د. إحسان الديك ورقة حول "موروثنا الشعبي نبض هويتنا"، كما قدم د.عبد القادر سطيح ورقة حول "السكان والأماكن الدينية في منطقة الجليل ومدينة جنين (دراسة تحليلية لدفتر الاحصاء العثماني 1872)". وتحدث د.حسين الدراويش ود. وسيم شولي عن "القيم الدينية المتأصلة في المثل الشعبي في محافظة جنين ودورها المتميز في الحفاظ على تماسك الشعب الفلسطيني وصموده أمام التحديات التي تواجهه".
وخلال الجلسة ذاتها، تحدث د. حسن نعيرات عن "دور وسائل الاعلام في الحفاظ على التراث والهوية الفلسطينية"، وقدمت آمنة أبو حطب ورقة مسلطة فيها الضوء على "الأماكن الأثرية في مدينة جنين التي تواجه خطر الاندثار"، وأخيراً تحدث د. فيصل غوادرة عن "مجسم القرية الفلسطينية التراثية: حكاية شعب وتاريخ أمة: دراسة تراثية دلالية".
أما الجلسة الثانية من هذا المحور فترأسها د. إبراهيم ربايعة، وتحدثت فيها وفاء عياشي بقاعي عن "المثل الشعبي في الجليل الفلسطيني"، وقدم نجيب صبري يعاقبه ورقة حول "القيم الإنسانية في الشعر الشعبي الفلسطيني – جنين والجليل"، وقدمت د. سميرة ستوم ورقة حول "المثل الشعبي في مدينة جنين دراسة موضوعية"، وتحدث أ. حسين منصور عن "سوق الخواجات في الناصرة ودوره في الحفاظ على الملابس والأزياء الشعبية"، وقدم د. طالب الصوافي ورقة حول "وقفيات بعض النساء في جنين"، وأخيراً قدمت د. روزلاند دعيم ورقة عن "زيارة سيدنا الخضر في حيفا، الإنسان والمكان".
أما المحور الثاني فكان عنوانه: "الإبداع الفني وقضايا المرأة في التراث الشعبي"، وخصصت له جلستان أيضاً، تولى رئاسة الأولى د.مروان أبو خلف، تحدث فيها كل من: د.عبد الرؤوف جرار عن "الأدوات المنزلية التراثية في منطقة جنين والجليل"، وقدم د. عمر عتيق ورقة حول "الأغنية الشعبية في المواسم الزراعية"، ثم تحدث خالد عوض عن "دور الألعاب الشعبية في تخفيف ظاهرة العنف المدرسي (دراسة تحليلية لتخفيف ظاهرة العنف في المدارس)".
وتولى رئاسة الجلسة الثانية من ضمن المحور الثاني د. محمد غرابة، وقدم فيها د. زاهر حنني ود. جمال رباح "دراسة لغوية في الأغنية الشعبية الفلسطينية (أغاني جنين والجليل أنموذجًا)"، فيما قدمت إيمان فشافشة ورقة عن "الأبعاد الأسطورية في الحكاية الشعبية في محافظة جنين/قرية جبع أنموذجًا"، وقدمت د. نجية فايز الحمود جناجرة ورقة حول "الشاعر نجيب صبري، زجّالاً وباحثًا"، ثم تحدث أ.حسين عمر دراوشة عن "تجليات جنين والجليل في التراث الشعبي الغنائي الفلسطيني -(أبو عرب) أنموذجًا"، وقدمت ربا عنان سعد ورقة حول "الأمثال الشعبية الفلسطينية وأثرها على مكانة المرأة في المجتمع في مدينة جنين".
وقدم د. إدريس جرادات اليُوسُفِيّ ورقة حول "حكاية شعبية من جبع جنين: تحليل فني للعناصر والقيم والدلالات"، وأخيراً تحدثت د. جهينة الخطيب عن سيكولوجية المرأة في الأغنية الشعبية الفلسطينيّة في الجليل.
عقب الجلسة الافتتاحية قام الضيوف وعلى رأسهم رئيس الوزراء رامي الحمد الله، بجولة في متحف فلسطين، أما بعد انتهاء الجلسات العلمية أقيم "مهرجان محافظة جنين والجليل للفن الشعبي الفلسطيني" في مدرج قرية حداد السياحية بجنين، تولى مثقال الجيوسي، وتضمن مجموعة من الفقرات الفنية التي قدمها كل من: الفنان محمد العراني، والعروض الشعبية التي قدمتها فرقة الزيتون.
وقدمت فخرية المصري من الفريديس شعراً شعبياً، وفرقة "صرخة وطن" الفنية من كوكب أبو الهيجا بالجليل عرضاً تراثياً، وقدم نجيب يعاقبة زجلاً شعبياً، ثم قدمت فرقة "كورال" جامعة القدس المفتوحة عرضاً ودبكة شعبية، أما فرقة مرج ابن عامر قدمت عرضاً وغناءً، وقدم معزوز بزاري عزفاً على الربابة، وأخيراً قدمت الفرقة الفنية "الكوفية" من بلدة الرينة بالناصرة باقة من الفنون الشعبية.
[email protected]
أضف تعليق