تعود فرقة «سلمى» للفنون الاستعراضيّة، مجدّدًا، لتتحفنا بعمل فنّيّ شامل، يثبت - من جديد - مدى حِرْفيّة ومهْنيّة وجِدّيّة وجماليّة ما تقدّمه هذه الفرقة؛ وقد برز ذلك بحضور المئات من حيفا وخارجها، من شخصيّات ثقافيّة واجتماعيّة وفنّيّة بارزة، غصّت بهم قاعة «كريچر» القابعة في كرملنا الفرنسيّ الحيفاويّ، مساء السبت الأخير.

يأتي هذا العرض احتفالًا بافتتاح المعهد الّذي طالما حلمت به الفنّانة فريال خشيبون (مديرة فرقة «سلمى» للفنون الاستعراضيّة)، لتقدّم - من خلاله - أجيالها في عرض خاصّ ومميّز من ريپورتوارها الفنّيّ على مدار أكثر من 33 عامًا، من تدريبها وتصميمها وإخراجها، هذه الفنّانة المتميّزة والمتألّقة، والمتجدّدة، دائمًا.

استطاعت مصمّمة الرقص خشيبون أن تجمع على خشبة مسرح واحدة أكثر من 100 راقصة وراقص، وأن تُدمج بين جميع الأجيال العمريّة، لتخلق رقصات مثيرة، متنوّعة، غنيّة بالحركات، تحمل في طيّاتها الفنّ والجمال، بعمل كامل متكامل، لفريق رقص مُبدع.

تمايلت - خلال العرض الفنّيّ - أجساد الراقصات والراقصين على أنغام الموسيقى، حيث حاورت أجسادهم الإيقاع، لترسم لنا صورًا فنّيّة جميلة، وتصوّر لوحات إبداعيّة راقصة معبّرة، بأداء استعراضيّ راقٍ، يوحي بحرْفيّة ودقّة وإتقان ومهْنيّة، ويظهر تناغمًا وانسجامًا بين أعضاء فرقة «سلمى» الاستعراضيّة.

فأكثر من 100 راقصة وراقص، من أصغرهم عمرًا إلى أكبرهم، أدَّوا عرضًا فنّيّـًا جميلًا مُبهرًا، أحيَوا - من خلاله - المسرح؛ تميّزوا، وملأوا الحيّز.. رقصوا، تمايلوا، وانسجموا.. فانسجم وتمايل معهم، أيضًا، الحضور الّذي ملأ القاعة.

نعم، لقد حاكت اللّوحات الفنّيّة الراقصة الحضور.. فالإدماج والمزج ما بين الرقص الاحترافيّ المتنوّع والأنغام الموسيقيّة والأغاني المختلفة - ما بين الوطنيّة والكلاسيكيّة والطربيّة والشعبيّة - القديمة منها والحديثة - وأغاني الأطفال، والتوزيعات الجديدة الخاصّة، أعطى صورًا جماليّة ولوحات فنّيّة إبداعيّة راقصة، كمّلت إحداها الأخرى، وجمّلت العمل.

إنّ الأزياء، أيضًا، لعبت دورًا كبيرًا في العرض، حيث ساهمت في اكتمال اللّوحة الفنّيّة الرائعة.. فألوان الأزياء الملوّنة - الزّاهية، والداكنة، والمزركشة منها، - تماشت وانصهرت مع الأنغام والألحان والموسيقى، فساهمت في إنجاح العرض وزادته رونقًا.

أبهرني هذا العمل الضخم، فعشت - على مدار ساعتين، تقريبًا - كرنڤالًا رائعًا مزج بين الألوان والإيقاعات والموسيقى والرقصات، ولكنّي - أساسًا - عشت الفنّ الراقي المنعش الجميل لفرقة «سلمى» للفنون الاستعراضيّة في ليلة من ليالي خريف حيفا. لم أكتفِ ولم أرتوِ من هذا العرض، فأردت المزيد؛ لكنّي غادرت القاعة والابتسامة تعلو وجهي فرحًا بالعرض، فخورًا بفرقة «سلمى»، الّتي تشرّف مجتمعنا العربيّ وترفع اسمنا عاليًا أينما حلّت؛ لأنّها ليست مجرّد فرقة رقص هاوية أو عاديّة، بل فرقة محترفة لها تاريخها وبصمتها الفنّيّة المميّزة، لتثبت بذلك أنّ مَن تقف وراءها فنّانة مهْنيّة جِدّيّة ومميّزة، هي فريال خشيبون.

فعلًا، تركت فرقة «سلمى» للفنون الاستعراضيّة بصمتها الفنّيّة، بتقديمها لوحات راقصة تمازجت فيها فنون الأصالة والحداثة.. فقد كان هذا العرض من أجمل ما شاهدته لفرقة «سلمى»، وهذا دليل على أنّ الفرقة في تقدّم وتطوّر وتحسّن مستمرّ، وأنّ لديها القدرة على التنوّع والتجدّد، وعلى ما يبدو، هناك ما تخفيه من مفاجآت مستقبليّة، أيضًا.

من الجدير بالذّكر أنّه في هذا العرض المميّز، تميّز المقدّمان إلياس مطر وميساء خشيبون، بتقديم مزج ما بين الجِدّيّة والفكاهة، كما برز جمال وعذوبة صوت الفنّانة نانسي حوّا، خلال تأديتها أغنية «يسمحولي الكلّ» للفنّانة أصالة نصري.

تتعطّل لغة الكلام أحيانًا، وتعجز الكلمات عن التّعبير، أمام أعمال فنّيّة مميّزة تشرّف مجتمعنا العربيّ، وترفع من شأنه، فتعرّف به وبثقافته عالميّـًا، من خلال لوحات فنّيّة في غاية الرقيّ والروعة والجمال؛ لأنّ الموسيقى والرقص والغناء لغات عالميّة يفهمهما الجميع.. فكم بالحريّ لو اجتمعت في عمل واحد لفرقة «سلمى».. إنّه كرنڤال فنّيّ راقص ومميّز، فعلًا.

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]