انطلقت، قبيل أسبوعين، جولة عروض "غنّ لي صلاة" لمغنية السوبرانو الرائعة إيناس مصالحة من قلب الناصرة لتجول، تباعًا، في سائر المدن والقرى في البلاد، حيث ستتواصل عروض "غنِّ لي صلاة"، إلى يافا وعكا ومعليا وشفاعمرو ورام الله، ستكون هنالك وقفاتٌ فنية، بصوتِ وحضور الفنانة إيناس مصالحة، وبلغاتٍ عالمية، يُستشَفُ مِنها الإبداع الذي طالما تمنينا أن يسكُن مُدننا وأحاسيسنا فيُشنّف آذاننا.
ولأن الحظ والوقت حالفاني لأكون ضيفا مدعوًا في العرضين اللذين زيّنا الناصرة، قررت أن أكتب هذا المقال الصحفي تعليقًا على غناء إيناس وصلاتها التي تستضيف خلالها، صديقتي الإعلامية الشابة إيمان بسيوني بقراءات روحانية مميزة تنتقيها الأخيرة بنفسها..
لم يكن العرض، الذي تم في قاعة كنيسة البشارة للروم الأرثودكس، أوائل أيلول، برأيي، على قدر التوقعات...، توقعاتي أنا على الأقل، فقد كانت لدي بعض الملاحظات على تفصيلات صغيرة وبسيطة على ما شاهدت، ولأنني على علاقة طيبة بنجمتي العرض، كان من السهل إيصال ملاحظتي، التي تم تقبلها بحب وترحاب، في الليلة ذاتها..

أما في ليلة البارحة، التي توجهت خلالها إلى "بيت ستي" في البلدة القديمة لحضور العرض الثاني من "غنِّ لي صلاة"، بينما أحمل توقعات كبيرة تجاه العرض ككل، ذلك لأنني كنت قد أيقنت أن رهبة اللقاء الأول، بين نجوم العرض والجمهور، قد زالت وبالتالي فإن الهفوات البسيطة أيضًا لن تتكرر في العرض الثاني والأخير في الناصرة قبيل الإنطلاق في الجولة المنتظرة...
دخلتُ إلى المكان، لأجد أكثر من 200 شخصًا، بينهم والدا الناشطة الأمريكية الراحلة راشيل كوري، يحتشدون في القاعة يحمل معظمهم مروحة صنعها من الورق ليمنع حر الغرفة من السيطرة على تركيزه، ربما...!
دقائق صمت، ووقف طارق شحادة أمام الحاضرين معلنًا بداية العرض، ليصفق الجمهور ويعم الصمت على المكان...
كانت الأجواء تعبق روحانية عند دخول إيمان بسيوني إلى المكان، حيث وقفت بثقة عهدناها منها وألقت أبيات مختارة من قصيدة مختارة بعناية للراحل درويش دون الإستعانة بأي قصاصة ورق يحملها الإعلاميون عادة لئلا يقعون في فخ التلعثم أو النسيان...
إيمان، لم تنسَ بيتًا مما كان معدًا للإلقاء، فقد كانت قد حفظت كامل "الصلاة" عن ظهر قلب لتدخل بها إلى كل قلوب الحاضرين، وبالفعل، نجحت ابنة الناصرة ان تأسرنا جميعًا دون جهد بقوة سحرها على المسرح وهو الأمر الذي هيأ لإيناس، نجمة العرض، الأجواء الملائمة لتشدو لنا بإبداع...
دخلت إيناس، بثقة أيضًا، بينما تصافح كل العيون التي اتت لاجلها، بنظراتها التي تنقلت لتمس كل واحد منّا على حدة، وكأنها تهمس، بعينيها:"سعيدة بكم...!"
بدأت، ابنة دبورية، الغناء لتقف كل المراوح الورقية عن التحرك بأيدي الحاضرين، فربما كان الدفء الذي كانت صلاة إيناس تهديه لسامعيها أشد تأثيرًا من حر خريف الناصرة الحالي...
لذلك تابع الحاضرون كل صلوات ايناس بإصغاء تام ومتعة كبيرة من أول مقطوعة حتى الأخيرة...

بقي أن أقول أن "غنِّ لي صلاة" - هو عرض فني ثقافي يضم مجموعة من الأغنيات والتراتيل بأكثر من تسع لغات تؤديها ايناس لأقوم بين كل ترتيلة وأخرى بالدخول بقراءات روحانيّة تحاكي وجدان الإنسان منذ بدء التكوين، تقتبسها إيمان من قصائد درويش وآخرين...
وسيزور العرض، بغد الناصرة، عكا ويافا والعديد من المدن والقرى في بلادنا، ولا بد من الإشارة أن نجاح موهوبتين في أن تفرض كل منهما شخصيتها وتفردها بعرض يبرُز فيه غناء الأوبرا، وهو أحد أنواع الغناء غير الشائعة في مجتمعنا، وأن تجولا بعرضهما مدنًا وقرى عديدة لكشف صلاتهما على اكبر عدد ممكن من الجمهور، يعد بلا شك، ضربٌ من الجنون, غير أني أثق أن إيناس وإيمان ستنجحان بمشروعهما الأول سويًا، لأنهما تعملان من قلبهما وتسعيان إلى أن تمتلأ الدنيا حولنا بالصلاة والغناء... ومن يسعى لنشر هذا الفن الخيّر والراقي لا بد وأن ينجح!
صديقتاي.. مبارك نجاحكما البارحة..
أحبكما...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]