"شو جابني لهون!؟"... هذا هو السؤال الذي كان يدور في رأسي، بينما كنت جالسًا في إحدى الغرف الخلفية التابعة لمركز "مساواة" في حيفا، ليلة الخميس الماضي، بعد أن دعاني الممثل والصديق أيمن نحاس، لمشاهدة العرض الأول وغير الرسمي للعمل المسرحي "الليل النهار" الذي أخرجه الفرنسي من أصول ليبية رياض الجهمي ويقدمه أربعة ممثلين -فرنسيين أيضًا- بينمتا تتولى مهمة الرعاية الإنتاجية في بلادنا شركة "غير إنتاج".
"شو جابني لهون...؟"
هو السؤال الذي رافقني في نصف الساعة الأولى بعد انطلاق العرض الذي حضرته رفقة كل من الصحافية والكاتبة رشا حلوة والناشطة الإجتماعية عبير قبطي، حيث كنت أشعر خلال متابعتي لما يحدث أمامنا أنني وبكل بساطة "لا أفهم!"...
الغرفة مظلمة، ودرجة حرارتها كانت كفيلة أن تجعلني أتصبب عرقًا ونوافذها محكمة الإغلاق جعلتني أود الخروج خوفًا من الإختناق!
وبالفعل، بعد مرور ساعة من انطلاق العرض، صدق توقعي وبدأت أختنق!
لم تكن النوافذ التي تمنع نسيم حيفا من الدخول هي السبب بما جرى، إنما كان إبداع الممثلين الأربعة قد بدأ يسيطر على حواسي جميعها لدرجة أنني فقدت إحساسي بكل التفصيلات التي كانت تزعجني وحلّقت مع الإبداع الآتي من فرنسا أحمل وجعًا نقلوه لي، كان بالأصل وجعي، هو وجع نكبتنا...
"الليل النهار" عمل فرنسي محض، يسرد قصة شعبنا الفلسطيني، قصة نكبتنا، بتصويره صراعات داخلية ومشاهد قليلة من حياة الصراع العربي-اليهودي عام 1948.
لم يعجبني العمل فحسب، بل أذهلني بكل تفاصيله، فقصتنا برؤيتها الفرنسية بدأت من مشهد في أحد المنازل، الممثلون الأربعة يجلسون حول طاولة يتناولون الطعام والصمت يسود مدة قاربت الدقائق الخمس أو ربما تجاوزتها بقليل، لتنطلق الأحداث بتتابع خلال مشاهد منفصلة متصلة يجمع كل واحد منها زوجًا من الممثلين، الزوج الأول فلسطيني بيته مغتصب والآخر، بالطبع، زوج محتل...
طبعًا لن أسرد قصة العمل كاملة، ذلك لأنني أحثكم على متابعتها خلال العروض التي ستقام في اليوم الرابع عشر من أيلول الجاري في قاعة "كريغير" بحيفا وفي اليوم الذي يليه، الخامس عشر من أيلول بقاعة مركز "محمود درويش" الثقافي في الناصرة أو بمسرح السرايا اليافاوي في الثامن عشر من الشهر نفسه.
لكن لا بد من التأكيد، على أنني وبعد انتهاء العرض، وبينما كنت عائدًا في طريقي إلى الناصرة، عادت إلى ذاكرتي مشاهد أكل البرتقال والحمص خلال العرض وفكرت في أهمية توظيف هذه الأدوات التي تعبر عنّا كشعب فلسطيني في عمل مسرحي إبداعي يعرض قصتنا بنظرة فرنسيّة، حينها فقط، عرفت أن الإبداع الحقيقي الذي ميّز العمل هو الذي "جابني لهون"...
فشكرًا لكل القائمين على العمل لأنكم جعلتموني أشعر أن وجعنا الفلسطيني لا يزال حيًا في ضمائر عدد من المبدعين في عالمنا...
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
رااااائعة