إنها المرّة الأولى التي تستقبل فيها مدينة الناصرة، فنانة اوبرالية بحجم إيناس مصالحة، في إحدى كنائسها المبهرة "كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس"، لتغني بدفئها وصوتها الأوبرالي المميّز، مساء الأربعاء القادم، عند الثامنة مساءً، حيث ستُقدّم كونسيرت "غني لي صلاة"، فإنها تكسِرُ حاجزًا آخر في طريق مسيرتها الفنية، وهذا ما يؤكده الدكتور عزمي حكيم رئيس مجلس الطائفة الأرثوذكسية، الذي عبّر عن تقديره الكبير باستضافة الفنانة إيناس مصالحة والإعلامية المتألقة إيمان بسيوني في كنيسةٍ مقدّسة، رمزُ الطهارة والروحانية.

"إنها صلاة تؤديها فنانة ساحرة، لها حضورها ومكانتها، وفي الكنيسة سيكون هناك حضورٌ جاءَ خصيصًا لأنه يؤمِن أنّ الغناء جزءٌ من الصلاةِ الروحانية التي نتوق إليها جميعًا، وبكل الديانات، نحنُ على موعدٍ مع تألقٍ آخر واحتضانٌ ورقي لمدينة الناصرة، بكنائسها وأماكنها المقدسة، وهي دليلٌ آخر على أننا شعبٌ واحد، وأبناءُ وطنٍ واحدٍ يجمعنا الفن والإبداع والإنسانية في قلبِ الناصرة المدينة المقدّسة".

ومن الناصرة إلى سائر المدن والقرى الفلسطينية، ستتواصل عروض "غنِّ لي صلاة"، إلى يافا وعكا ومعليا وشفاعمرو ورام الله، ستكون هنالك وقفاتٌ فنية، بصوتِ وحضور الفنانة إيناس مصالحة، وبلغاتٍ عالمية، يُستشَفُ مِنها الإبداع الذي طالما تمنينا أن يسكُن مُدننا وأحاسيسنا فيُشنّف آذاننا.

حيث ستقف إيناس في الناصره في كنيسة الروم الأرثودكس الأربعاء المقبل في تمام الساعه 20:00 وعلى مسرح البيت الفلسطيني في المدينة، أيضًا ستكون يوم الرابع عشر من أيلول المقبل لتنطلق إلى عكا في اليوم الحادي عشر من تشرين أول وتقف على خشبة مسرح عكا وتتابع، بعدها، تحليقها لتزور العديد من البلدات العربية في البلاد.

"غني لي صلاة - هو عرض فني ثقافي يضم مجموعة من الأغنيات والتراتيل بأكثر من تسع لغات تؤديها ايناس لأقوم بين كل ترتيلة وأخرى بالدخول بقراءات روحانيّة تحاكي وجدان الإنسان منذ بدء التكوين، أقتبسها من قصائد درويش وآخرين"، هذا ما أكدّته بسيوني، التي تُشارك في العرض بصوتها الإعلامي المميّز.

يُشار أنّ الكونسيرت "غني لي صلاة يواصل عروضها، ليتجاوز الـ 40 عرضًا، علمًا أنّ العرض الاحتفالي جرى في مدينة نيويورك في كاتدرائية ريڨر سايد.
 
ولكلمات د. عزمي حكيم عن الفنانتين اللتيْن ستملآن قاعة كنيسة الروم للبشارة، سحرًا موسيقيًا وعبقًا مِن الروحانيات، مكانًا في النفس عندما يتحدث عنهما قائلاً: "نعرف إيناس بصوتها الأوبرالي وموهبتها الفنية الفذة والتي ملأت الدنيا إبداعًا لتمثّل ليس الناصرة فحسب، أو دبورية بلدها، بل إنها تُمثلنا نحنُ الفلسطينيون جميعًا، فقد دخلت قلوبنا قبل أن تدخُل المسارح والكنائس، وإلى جانبها سنلتقي أيضًا بإيمان بسيوني، الإعلامية التي برزت بموهبتها وخفة روحها وصفاءِ احساسها".
 
عن إيناس مصالحة و"غني لي صلاة":


هِيَ مغنية الأوبرا إيناس مصالحة، ابنة قرية دبورية، التي حفرت طريقها بيديها الرقيقتين، وبصوتِها الجبار – إن جاز لي وصفها، وباختصار، عظيمةٌ بصوتها الأوبراليْ، الملائكي، الذي يخترق القلب بهمسةٍ منها، بصوتٍ دافئ خاطب الأطفال والكبار.

إيناس مصالحة، مغنية الأوبرا (سوبرانو)، آثرت اختيار باقة من أجملِ الأغاني التي اختارتها بعنايةٍ فائقة، لتُشرك جمهورها في الداخل، بها، وهِيَ كما قالت بنفسها صلواتٌ ليس بالضرورة أن ترتبط فقط بالدين، إنها رسائل إنسانية بينها ما هو مُوجه للخالِق، وبينها بعضُ ما يختلجُ في النفسِ مِن دُعاءٍ أو عتابٍ أو حزنٍ أو فرحٍ للقاءٍ أو فُراقٍ أو حنينْ، وما كان المستمع أن يتوهَ عن فهمِ المعاني، حتى لو كان لا يُجيد جميع اللغاتِ التي غنَت بها "إيناس"، فيكفي أن تسمعَ تلك التعابير والنبرات الصوتية التي تُشعِل القَلب فرحًا أو حزنًا أو جراحًا، فهِيَ، ليست فقط مغنية أوبرا، أو مؤدية وممثلة بارعة، إنها إنسانةٌ تُحسُ بالكلمة، وباللحنِ وبالمعنى، وتجمُع الماضي بالحاضر، والجمالُ بالإبداع، لتُكوِّن أجمل سيمفونية لقصائِدُ اوبرالية مُغناة.

غني لي صلاة!

صوتٌ يأخذك إلى أماكن بعيدة، إلى ماضٍ بعيد، وإلى حاضرٍ جميل، جعلتني، وبالتأكيد- مثلَ غيري، ألومُ حبيبها لأنه خذلها، وبعدها أدخلتني إلى قصص أخرى من الفرحِ وأقحمتني بالمزيد من الأمنيات.

أيناس مصالحة، في عرضها (غني لي صلاة) "sing me a prayer" تغني بتسع لغات وهي: الأرامية، السويدية، الانجليزية، الألمانية، الفرنسية، الروسية، الإيطالية، العربية والتشيكلية.

وتطلعنا إيناس على الغناء الكلاسيكي، والغوسبيل (الكنائسي الأمريكي) أو (غناء الأفارقة الأمريكان)، لفنانين عالميين بينهم: موريس رافيل، جونار دي فرومري، صموئيل باربر، راحمانيونوف، هوجو وولف، جابريل فوريه، أنطون دفوجاك، فيرديه وغيرهم.

الفرص الكبيرة!

كانت بالنسبة لإيناس فرصة مِن العمر لا تُعوَّض أن تصل إلى بيت الأوبرا في برلين، البداية فيها كانت "صعبة"، يقف فيها المرءُ أمام ذاته، في اختبارٍ محفوفٍ بالمخاطر، وغنت لأول مرة في "شتاتس"، بالصوتِ والإداء، وبدأت الحواجز تختفي مِن أمامها، تنوعت الأماكن وزادَ القرب من الحضور، وانتقلت إلى مسارح أخرى "لسكالة" مثلاً، صارتَ الأحلام قريبةٌ مِن الواقع، أكثر مِن أيِ وقتٍ مضى.

على مسرحٍ كـ"شتاتس"، إيناس ترنو إلى البعيد!


إيناس مصالحة تظلُ تبحثُ في مكنونات نفسها ،عن ذاتها، عن شخصيتها هي، عن ملامحها التي تختارها بنفسها، لذلك تعترف وبملأ صراحتها أنها كانت في نهاية العام الماضي 2010، تعيشُ صراعًا حادًا بينَ ما تعيشه وما تريدُ أن تُعايشهُ، وفي أكبرِ بيوت الأوبرا في العالم، في برلين وميلانو وامستردام وفنيسيا ونيويورك وغيرهم، دائمًا كانت تشعرُ أنها زائرٌ "مؤقتٌ" "لم أشعرُ أنني سأتجذّر في تلك الأماكن"، "كان في داخلي حنينٌ إلى مكانٍ ما، أرتاحُ فيه".

وكان التساؤل الدائم لإيناس مصالحة: "ماذا يُحبُ صوتي أن أغني؟! ماذا يريدُ؟! أينَ أقفُ؟! أين أكون أو أحب أن أكون؟! أسئلة كثيرة أُشرك بِها مَن أعزهم".

وظلّت التساؤلات تستقرُ في داخلها الواسع الأفكار: "حزمتُ حقائبي وعدتُ مع بداية العام 2011 إلى البلاد، في رحلةٍ مستمرة للبحثِ عن نفسي وعن الحرية".

والحرية بنظرِ إيناس تكونُ أيضًا في الصوت عندها "تسمح لصوتك أن يُجرب، وأن يخرجُ بقرارٍ إما التوقف أو الاستمرار، وقد يأخذك الصوت أعمق مِن وعيك، نحو إحساسك، وما يلائمك، والصوتُ شريكٌ ملتصقٌ بِكَ إلى النخاع".

الفنانة المتجددة إيناس!

وتؤمن إيناس "أنّ هناك طاقة تسير مع الإنسان، تغلفه، تحويه، تتبعه، وأحيانًا تدفعه، وقد كنتُ بحاجة لهذا التغيير، وإلى محطةٍ أتوقفُ عندها وأفكر مليًا".

فإيناس مصالحة، التي تحُبُ الاستقرار، قررت منذ عامٍ وأكثر أن تقف مع نفسها، وتعيش أكثر مع مجتمعها، تأنس بوجوده، وتنتشي بشوقِ الجمهور إليها، ورغم شعورها أنّ الأحلام كبيرة، أكبر مِن حجم الأماكن التي وطأتها، لكنها في المرحلة الحالية - تشعُر – أنّ شيئًا إنسانيًا وروحانيًا داخليًا يأخذها إلى وطنها الأم، إلى حضنِ بلادها، ويسبقها الحنين، داخلها، ليُبعدها قليلاً عن عوالم بعيدة أخرى، كانت فيها على مدارِ سنوات طويلة، وصارت اليوم تفضلُ المحطات المؤقتة في برلين أو امريكا أو اسبانيا أو ايطاليا، لتستقر هُنا في بلادها التي احتضنتها.

ومنذ أكثر من عام ترنو إيناس أكثر من أحلامها وأمانيها التي تصبو اليها، وعلى مسارح البلاد تقف، لتُسمع صوتها في "غني لي صلاة"، سواء كان ذلك في الناصرة أو تل أبيب، هرتسليا، القدس، حيفا ورام الله أماكن أخرى قادمة.

إيناس تغني بدافع الحنين إلى العطاء، إلى البلاد، إلى دفءِ المشاعر، إلى مكانٍ ما "يمتصُ ما بداخلي مِن طاقة". وهي بذلك تجمع في أغنيها، اللون الأوبرالي بالكلاسيكي الغربي بمسحةٍ شرقيةٍ جميلة، لتلتقي بصلوات من ثلاث ديانات، ومِن مقامات لعمالقة الفن، لتقدمه على شكلِ مغناةٍ تُخاطب الإنسان، وتقترب مِن مشاعره وأحاسيسه بصدقٍ وعمقٍ شديديْن. وفي مكانٍ ما، حلوٌ، تغني إيناس بصوتها بمشاعرها بإنسانيتها وبلغتها، حين تغني الصلاة، النقاء، الصفاء الروحي والذهني، تدخل بلا استئذان كافة القلوب والأماكن.

وإيناس تُدرك أنها تعيشُ مشوارَ بحثٍ عن الحرية ليسَ في الحياةِ فحسب، بل في الغناء أيضًا، وقريبًا من الأوبرا، أو بعيدًا عنها، وهي التي أحبت الموسيقى الالكترونية، واستمتعت بمهرجان للموسيقى الالكترونية الأول في برلين، فكرة لمعت في ذهنها، وهي تعمل على تطويرها بأدواتِها الخاصة التي توصل الشرق بالغرب، والمشوارُ في طورُ البناء.

الهوية والوطنية مزيجٌ من ثقافة وحضارة وجذورٌ في الأرض!


تقول إيناس "إن وصل الصوت إلى جمهورٍ آخر، يهودي، واستمع وأنصت لغناءٍ بصوتِ عربي، فهو انتصارٌ لنا، ولهويتنا".

و"في عرضٍ في قلبِ تل أبيب، تُباعُ التذاكر في الكامل، ويظلُ آخرون بالانتظار، هو فوزٌ لبلدي، لهويتي، لعروبتي"، "ولإيناس أحمد نجيب مصالحة، التي استطاعت أن تدخلُ البيوت وتغيّر الفكرة النمطية عن مجتمعنا".

وتضيف: "الموسيقى ليست فقط عزف، بل هي إصغاء، عطاء، طاقة، هرمونية، دمج، توافق، وحينَ نثقّف أطفالنا على حُب الموسيقى، على المعاني الصغيرة والكبيرة، فإننا نجّذر تربيتنا الإنسانية وحضارتنا، وهكذا تسيرُ بِنا الحياة إلى الأفضل".

"ولسنا نحنُ مَن يُعطي للأطفال، بل هم في أحيانٍ كثيرة يعطوننا، إنهم كالورود، تحتاجُ إلى إرواءٍ، ليكبروا ويكبروا، ويضيء مستقبلهم، حتى يصلون إلى العالمية بالفنِ والموسيقى بالعلم والإبداع".

إيناسَ تُبدي شغفًا بعالم الأطفال خاصة أنها عايشتهم خلال دورات التربية الموسيقية الهادفة لدمجهم في العالم الموسيقي والأوبراليْ، فكانت معهم في رام الله والقدس، و"المشوار سيتجدد".

إيناس مصالحة: الموسيقى لغة الشعوب!

تؤكد مصالحة أنّ تذوق الفن لا يقتصر على الأطفالِ فقط، بل على كُلِ إنسانٍ يشعرُ ويمتلك إحساسًا وتذوقًا للإبداع، وبينَ النساء اللواتي أحبْت إيناس قربهن، نساء بلدتها دبورية، وكانَ لها شرف تقديم غناءٍ أوبرالي في إحدى قاعات القرية، وحين انهت عرضها، صفقت النساء المسنات بحرارة، وطلبن عرضًا كاملاً، فكانَ تشجيعهن لها دفعةً أخرى في طريقِ الفن، وهي التي قالت مِن قبل: "إن لم تذهب أنتَ إلى الأوبرا، الأوبرا تأتي إليك، وهي فكرتي وهدفي".

وعن التمييز، بين العرب واليهود في البلاد، تقول مصالحة: "واضح"، ففي حين هناك الكثير من دور المسارح في البلاد، وميزانيات هائلة، فإنّ المجتمع العربي يفتقر إلى صالاتِ عرضٍ ومسارح وميزانيات، ولهذا ترى إيناس أنّ هناك حاجة ماسة لتأكيد هويتنا الفنية والإبداعية، لأننا نحتاجُ أن نخترق عالمنا بالكلمة والصوتِ والأداء، حتى نفرض أنفسنا بقوة.

وأكدّت مصالحة إلى أهمية "المعرفة"، "فهي قوة"، و"هذا الأمر قد يتساهل كثيرون بأمره، لكنه أساس الثقافة والإبداع، ففي حين يُعلّق البعض شهاداتهم في إطارٍ زجاجي، بينما تسعى أممٌ أخرى أن تزيد معرفتها بكلِ ما يُحيطُ بِها، فنًا، ثقافةً، موسيقى، وللأسف لا زلنا بعيدين عن ثقافة "المتاحف، المسارح، العروض الفنية"، وهي لقاءاتٌ حضارية تنمو في عوالم أخرى.

الحياة وسطَ خليطٍ من الحضارات!

"اعتزُ بفلسطينيتي"، تقول إيناس، والتي رغمِ وقتها الطويل في العالم، تظلُ تحملُ نفس الهوية "فلسطينية مغتربة"، وُلدت في قرية دبورية وعاشت في تل أبيب ودرست في ألمانيا، وسافرت إلى أمريكا وتجولت في أماكن أخرى، في إقاماتٍ "مؤقتة".

في داخل هذه الصبية، خليطٌ مِن السفر والعودة بعد السفر، الحياة في البلاد والهدوء والاستقرار في حضنِ الأهل.

وكأنّ "روح الموسيقي لا تهدأ أبدًا، اليوم أنتَ هُنا، و"بكــــرا" لا تعرف أينَ سـتكون".

لكنني- تقول إيناس- "في كل الأماكن لا أفعل شيئًا غيرُ راضيةٍ عنه، إن لم أحب مقطوعة موسيقية، لا أغنيها، إن لم أحب عملاً تركته".

وكان على إيناسٍ في عالمٍ آخر، تغمره الموسيقى، أن تبرُز، أن تضع بصمة، وأن تضع نفسها بموازاةٍ مغنين إسرائيليين، مِن هنا كان "الإحساس بالمسؤولية ثقافيًا، أن نبحث عن القوة، عن الانتشار لننتصر بثقافتنا قبل أي شيءٍ آخر".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]