منذ أن نُشر خبر تحت عُنوان "بلديّة حيفا تتراجع عن مخطّط توسيع شارع الجبل" في العدد (102) من صحيفة "حيفا"، يوم الجمُعة، الحادي عشر من شهر تشرين الثّاني المنصرم، ما انفكّ يصلنا عدد من المكالمات الهاتفيّة، بشكل أسبوعيّ، من أشخاص كُثر مُستائين من قرار البلديّة المُجحف – باعتقادهم – ومتسائلين عن سبب وقوف جمعيّة التطوير الاجتماعيّ، ممثّلة بمديرها العامّ، حسين إغباريّة، وراء إلغاء مخطّط توسيع شارع الجبل، وكأنّه إنجاز وطنيّ بطوليّ؛ معلّلين بأنّ العكس هو الصحيح؛ فقرار الإلغاء والموافقة عليه من قبل البعض، جاء ليخدم بلديّة حيفا ويريحها من عناء المشروع ويوفّر على خزينتها صرف ملايين الشواقل، ويمنع – في الوقت ذاته – تطوير حيّ وادي النسناس وإنعاشه برمّته – حسَب ادّعائهم.
وبعد أن توالت المكالمات ووصلتنا الـ"إيميلات" والـ"فاكسات"، قرّرت التطرّق إلى الموضوع وطرحه، وفتح ملفّ بهذا الخصوص لسماع وجهات نظر مختلفة، من أصحاب الشأن أنفسهم، رغم أنّ عددًا كبيرًا ممّن حدّثوني في الموضوع، رفضوا أن أُفصح عن هُويّاتهم أو أن أذكر أسماءهم من خلال تطرّقي إلى الموضوع لأسباب عديدة – أعلم بعضها وأجهل غالبيّتها – وأنا – بدوري – أحترم قرارهم هذا، وأحافظ على خصوصيّتهم.
بلديّة حيفا قرّرت إلغاء المخطّط!
وللتذكير، أورد بعضًا ممّا جاء في الخبر المذكور: "أبلغت، مؤخّرًا، اللجنة المحلّيّة للتنظيم والبناء في بلديّة حيفا جمعيّة التطوير الاجتماعيّ، أنّ البلديّة قرّرت إلغاء مخطّطها رقْم 1807 لتوسيع شارع الجبل من زاوية "همچينيم" إلى شارع "هچيفن" (الكرمة)، وسحبه من الإيداع، وأنّها ستعلن ذلك للمعترضين في وقت لاحق؛ وقد اتُّخذ هذا القرار في جلسة اللجنة المحلّيّة البلديّة للتنظيم والبناء، يوم (2011/9/11)!!".
وقد عقّب، حينها، مدير عامّ جمعيّة التطوير الاجتماعيّ، حسين إغباريّة، على القرار، بالقول: "ها نحن وأهلنا نحصد ثمرة جهد مشترك من عشر سنين، بدأناه، معًا، لغرض حماية طابع حيّ وادي النسناس وعدم هدم معالمه بحجّة التطوير. عشر سنوات لم تكن قصيرة، لكنّنا – في نهاية المطاف – أُبلِغنا بسحبه". وأضاف إغباريّة: "نثبت، مرّة أخرى، أنّنا بنشاط مدروس وبأساليب عمل مهْنيّة، يُمكننا أن نحقّق – لنا ولأهلنا – إنجازات ملموسة. وأدعو كلّ النشطاء إلى السير في هذا النهج، لأنّه الوحيد الكفيل بتحقيق ما نصبوا إليه من تأثير على صانعي القرارات".
"عن أيّ إنجازات يتحدّث حسين إغباريّة؟"
"عن أيّ إنجازات يتحدّث حسين إغباريّة؟" – تساءَل ماجد (اسم مستعار) أحد سكّان شارع الجبل، وقد طلب منّا عدم الإفصاح عن هُويّته. وأضاف: "إنّ جمعيّة التطوير الاجتماعيّ أضاعت منّا فرصة ذهبيّة لتحسين مباني الحيّ وتوسيع شوارعه؛ فحسَب المخطّط، المباني الّتي من المفترض هدمها، غالبيّتها آيل إلى السقوط، ولا يدور الحديث عن المباني التاريخيّة في الحيّ – كما يدّعي إغباريّة".
واختتم ماجد حديثه، قائلًا: "من الضروريّ إعادة النظر في كلّ ما يتعلّق بالمخطّط رقْم 1807؛ ففي نهاية المطاف، المخطّط موجود منذ زمن الانتداب البريطانيّ، وقد قامت بلديّة حيفا بتحديثه وإجراء بعض التعديلات عليه فقط؛ فهو لا يمتّ بصلة إلى أيّ نوع من أنواع التهجير أو تغيير معالم الحيّ التاريخيّة وما شابه؛ وما الضَّير في تحسين الحيّ وتطويره والحصول على تعويضات مناسبة، بدل الركون إلى هذا الوضع المزري؟! أعجب كلّ العجب مِن كلّ مَن نادى وينادي بإلغاء مخطّط توسيع شارع الجبل!".
مخطّط توسيع شارع الجبل (الخريطة رقْم 1807)..
أعلنت اللجنة الفرعيّة للتنظيم والبناء في حيفا إيداع المخطّط رقْم (1807) حول توسيع شارع الجبل "جادّة هتسيونوت". وهو ما يعني هدم ما يقارب الـ 54 بناية سكنيّة وتجاريّة في حيّ وادي النسناس، شارع الجبل، شارع الخوري، وشارع شحادة شلح. ويهدف المخطّط إلى تحويل شارع الجبل إلى ممرّ رئيس للمركبات القادمة من الكرمل إلى البلدة التحتا.
يُقسم المشروع إلى مرحلتين؛ الأولى: مرحلة توسيع شارع "عين دور" (الخُطّة رقْم 981 – مقرّرة منذ عام 1966) حتّى زاوية شارع "أللنبي"، حيث صدّقت عليها اللجنة اللوائيّة والمحلّيّة للتنظيم والبناء؛ وقد قامت السلطات البلديّة وشِرْكة "يافِه نوف" بشراء بعض المباني وهدمها. أمّا المرحلة الثانية من المشروع (الخُطّة رقْم 1807) فهي جاهزة للتنفيذ؛ حيث ينقصها تصديق اللجنة المحلّيّة البلديّة للتنظيم والبناء. نبدأ بمقطع شارع الجبل ("هتسيونوت") – "أللنبي" صعودًا حتّى زاوية شارع "هچيفن" (الكرمة)؛ أمّا نزولًا، فمن زاوية شارع "هچيفن" – الجبل من الجهة اليسرى، قسم من ملعب "بيت الكرمة" ثمّ البناية التي تُؤوي محلّ حاتم خوري للتصوير ومحلّ سعيد الصفدي (أبو حمادة)؛ حيث سيتمّ هناك – على الأقلّ – توسيع الشارع بمسافة 6 أمتار. وإذا استمررنا نزولًا من الجهة اليسرى، فسيتمّ توسيع الشارع بـ 4-6 أمتار حتّى محلّ محمّد رمضاني الزَّجّاج (القزّاز)، حيث ستتمّ إزالة جميع المباني المحاذية للشارع من بيوت ومحالّ تجاريّة، بما في ذلك معرض كرّام ومحمص الأمم.
أمّا زاوية شارع الجبل – الخوري بمحاذاة مطبعة "المستقبل" (عُتقي، سابقًا)، فسيتمّ فيها شقّ شارع يربط شارع "أللنبي" بشارعَي الخوري والجبل، مرورًا بشارع "هپارسيم" (العجم) خلف محلّ "أبو خضرة" التجاريّ، مرورًا بكنيسة يوحنّا المعمدان، وبهذا سيتمّ ربط شوارع الجبل/"أللنبي"/الخوري؛ أمّا بالنسبة إلى زاوية "أللنبي" – الجبل صعودًا من الجهة اليسرى، فمن المخطّط إزالة مطعم إسكندر، ولكن سيبقى مبنى "الشبيبة العاملة والمتعلّمة" من الجهة اليمنى على حاله، كما ستُترَك العمارة المجاورة حتّى زاوية شارع الخوري، على حالها.
"نريد العمل حسَب المخطّط، لا سحبه!"
أشير إلى أنّه قد تمّ نشر المشروع، رسميًّا، عام 2001، كما تمّ تقديم 36 اعتراضًا – في حينه – قدّمها المتضرّرون، إضافةً إلى اعتراض عامّ باسم جمعيّة التطوير الاجتماعيّ؛ إلّا أنّ هناك عددًا لا بأس به من السكّان وأصحاب المحالّ التجاريّة، الّذين يوافقون، حاليًّا، على المُضيّ بالمخطّط 1807، والعمل حسَبه – لا سحْبه – مقابل تعويض ماليّ ملائم؛ كما وصلني أنّ بعض المعترضين بدّلوا رأيهم بعد دراستهم للمخطّط واقتناعهم بأنّ المشروع سيعود بالمنفعة على أهل الحيّ عامّة، وسيغيّر مظهر الحيّ نحو الأفضل، ليحوّله إلى حيّ عصريّ متطوّر، مع المحافظة – في الوقت ذاته – على طابعه العربيّ التاريخيّ، وبأنّ هذا المشروع يهدف كذلك إلى تحسين ظروف عمل المحالّ التجاريّة وإنعاش الحركة التجاريّة في المِنطقة.
البناية القائمة في شارع الجبل "هتسيونوت" 20
يعاني سكّان البناية القائمة في شارع الجبل "هتسيونوت" 20 الأمرّين من جرّاء قرار بلديّة حيفا إلغاء مخطّط توسيع شارع الجبل؛ حيث أكّد لي القاطنون في البناية أنّ البناية في وضع مزرٍ، وهي شبه آيلة إلى السقوط، وتعود إلى شِرْكة الإسكان الحكوميّة ("عميدار") وتحتاج إلى ترميم جذريّ.
"ما الفائدة من السكن في بناية شبه آيلة إلى السقوط، أليس من الأجدى الحصول على تعويض ماليّ مناسب من بلديّة حيفا، والانتقال إلى السكن في أبنية حديثة وآمنة، بدل العيش تحت سقف تتسرّب منه مياه الأمطار؟!" تساءَل أحد الساكنين، وأضاف: "ما المانع في أن تقوم البلديّة – من أجل المصلحة العامّة وتوسيع الشارع – بهدم البناية مثلًا؛ فهي ليست بناية تاريخيّة هامّة أو مَعلمًا فِلَسطينيًّا أثريًّا. لِمَ علينا التباكي كلّما سمعنا بهدم منزل أو بناية، تجب دراسة الأمور قبل إبداء أيّ رأي.. ففي حيّ وادي النسناس هناك عشرات المباني الّتي من المفروض هدمها فورًا، لأنّها لا تصلح للسكن وهي آيلة إلى السقوط". واختتم حديثه معي، مشدّدًا على عدم ذكر نفسه، ومشيرًا إلى أنّه لا يدعو إلى محو معالِم الحيّ العربيّ العريق، بل إلى تحسين ظروف العيش والمسكن.
"بأيّ حقّ يتحدّث إغباريّة باسمنا؟»!
أمّا سعيد صفدي، فقد حدّثني مستاءً من قرار بلديّة حيفا، إلغاء مشروع توسيع شارع الجبل، قائلًا: "لقد فوجئت لدى قراءتي الخبر المنشور في صحيفة "حيفا" عن إلغاء المشروع.. جاء في الخبر أنّه بفضل عمل جمعيّة التطوير الاجتماعيّ والضغوطات التي فعّلتها ممثّلة بمديرها العامّ، حسين إغباريّة، استجابت البلديّة لطلب الجمعيّة وقامت بإلغاء المشروع!!". وهنا يتساءَل صفدي، معاتبًا: "بأيّ حقّ يتحدّث إغباريّة باسمنا ويقرّر بدلًا منّا، نحن أصحاب الشأن!! لم يقُم إغباريّة بزيارتنا ولو مرّة واحدة، حتّى إنّه لم يستمع إلى رأينا بشأن المخطّط.. فبأيّ حقّ، إذًا، يتحدّث باسمنا؟! مَن خوّله الحديثَ بدلًا منّا؛ عليه الحديث باسمه فقط، فهو لم يستشِرنا أو حتّى يسمعنا! إنّه لأمر عجيب!!".
"نحن أصحاب الشأن.. ونحن مَن يقرّر"!
أمّا لومه الكبير، فيوجّهه إلى المسؤولين في بلديّة حيفا، قائلًا: "أمّا ما لا يُمكن استيعابه فهو استجابة بلديّة حيفا لطلب جمعيّة التطوير الاجتماعيّ، العمل على إلغاء مشروع توسيع شارع الجبل من دون أن تسأل أو تستشير أصحاب الشأن أنفسهم، سكّان هذا المبنى، مثلًا (شارع الجبل 20) وأصحاب المحالّ التجاريّة فيه. كيف تقوم البلديّة باتّخاذ مثل هذه الخطوة من دون دراستها ونقاشها مع أصحاب الشأن؟! لِمَ عليها الجلوس ومناقشة الموضوع مع إغباريّة والعمل حسَب مخطّطاته؟!! ما شأن إغباريّة في الموضوع، أصلًا؟!! نحن أصحاب الشأن، ونحن مَن يقرّر، لا يحقّ لآخرين أن يقرّروا بدلًا منّا!".
ويسأل سعيد صفدي عبر صحيفة "حيفا"، بلديّة حيفا وحسين إغباريّة: مَن خوّلكما الحديثَ باسم سكّان بناية "هتسيونوت" الجبل 20 واتّخاذ قرار بشأنهم؟! قائلًا: "لم يزُرْنا حسين إغباريّة، ولا أيّ ممثّل من بلديّة حيفا، ونحن لم نقُم بتخويل أحد الحديثَ باسمنا أو التّوقيع على أيّ وثيقة أو تصريح بذلك!!". وأضاف: "يتّخذون القرارات من دون استشارتنا.. وهذا أمر مرفوض. فمن غير المعقول تداول شؤون تتعلّق بسكّان معيّنين من دون استشارتهم أو إشراكهم في القرارات!!".
"يقرّرون المُضيّ بالمشروع، ومن ثَمّ إلغاءَه"!
واستطرد صفدي، قائلًا: "أنا لم أطلب من أحد التحدّث باسمي، فكيف يمكن لذلك أن يحدث؟ أنا كنت قد حذّرت من ذلك سابقًا، فبأيّ حقّ يتكلّم حسين إغباريّة باسمي، وباسم الآخرين؟! فأنا لم أخوّله ذلك ولم أوقّع له أيّ توكيل بذلك! وفي الوقت ذاته، أقدّم استجوابًا إلى البلديّة: بأيّ حقّ – وبعد أن قرّرتم المُضيّ بمشروع توسيع شارع الجبل – تقرّرون إلغاءه لاحقًا، من دون استشارة أصحاب الشأن، وأتحدّث في هذا الصدد عن سكّان هذا المبنى (الجبل 20)"؟.
وتابع صفدي حديثه غاضبًا، مستاءً: "من حقّي أنا، فقط، أن أقرّر في أمور تخصّني؛ أنا هو مَن يقرّر ما إذا كان مناسبًا أن أقبل بتعويض ماليّ أم لا، ما إذا كان يناسبني ترك المكان أم لا.. لا يحقّ لأحد الحديث بدلًا منّي وكأنّه موكَّلي؛ وطبعًا، لا يحقّ في هذه الحالة لإغباريّة أن يتحدّث باسمي".
"نعاني مشاكل يوميّة"!
وأكّد لي أحد السكّان القاطنين في بناية قريبة، رفض أن نفصح عن اسمه، أنّه، يوميًّا، في ساعات الصباح والظهر وما بعد الظهر أيضًا – في ساعات الزحمة – تحصل شجارات في شارع الجبل 20 من جرّاء السياقة المتهوّرة وضيق الشارع. وتساءَل: "لِمَ يقومون بترميم بقيّة الشوارع المجاورة وتوسيعها، كشوارع "هرتسل" و"حالوتس" و"هرتسليا" مثلًا، ولا يهتمّون بالشوارع العربيّة؟ والحديث – هنا – عن شارع الجبل. نعاني، يوميًّا، مشاكل في هذا الشارع، وخصوصًا في ساعات الصباح؛ من جرّاء الضغط، وقد أصبحت الشجارات عادة يوميّة. هناك محالّ تجاريّة في المِنطقة، وهذا يؤثّر سلبًا عليها ويحدّ من عملها وربحها". ثمّ اختتم بنبرة عتاب وغضب، قائلًا: "كفى! لقد حان وقت العمل، فعلًا. نبكي على وضعنا ونحن المسؤولون، أحيانًا، عنه. ما الهدف من وراء إلغاء مشروع كان سيدرّ الأموال على المصالح التجاريّة العربيّة في المِنطقة، وكان سيحسّن من وضع المساكن والسكّان، معًا؟".
"كفانا بكاءً على أطلال مبانٍ آيلة إلى السقوط"!
وفي ردّه على سؤالي حول محو معالم الحيّ الفِلَسطينيّة في حال توسيع المِنطقة وتطويرها، قال: "لقد وافقت بلديّة حيفا الحفاظ على المباني التاريخيّة والمعالم الأثريّة الهامّة في المِنطقة، بل كان من المفروض ترميمها وصيانتها. إنّ التخويف من محو المعالم العربيّة الفِلَسطينيّة هدف إلى تخويف السكّان، ما أدّى إلى رفضهم المشروع، ولكنّ من يدرس تفاصيل المشروع سيدرك أنّ ما يُرَوَّج له خلافُ ما هو مدوّن!!".
واختتم، متسائلًا: "لِمَ لا يحقّ لنا التطوّر والقبول بمشاريع تطويريّة هدفها التحسين، بدل البكاء على أطلال مبانٍ آيلة إلى السقوط، والتنقّل في أزقّة بصعوبة تعبر منها مركبة واحدة..؟ فكيف لهم أن يتحدّثوا باسمنا من دون إذننا أو علمنا؟"!!
الطلب أضرّ بالسكّان
هذا وأكّد سعيد صفدي أنّ طلب حسين إغباريّة وجمعيّة التطوير الاجتماعيّ، وموافقة البلديّة على هذا الطلب بإلغاء المشروع، قد أضرّ ببعض سكّان المبنى القائم في شارع الجبل 20، بدل أن يساعدهم، فالبعض كان ينوي بيع منزله للبلديّة لإتمام مشروعها مقابل مبلغ ماليّ مناسب، والانتقال للسكن في منزل أفضل، إلّا أنّ إصرار إغباريّة على طلب إلغاء المخطّط حال دون ذلك!! وإن كان هذا المشروع سيعود بالخير على الجميع ومن أجل الصالح العامّ، فلِمَ علينا أن نمانع ذلك.. ما المشكلة في الاستغناء عن بعض البنايات الآيلة إلى السقوط، والحفاظ على البنايات التاريخيّة القديمة، لصالح مشروع يضمن تطوير الحيّ بأسره وإنعاش المِنطقة برمّتها؟! - أقوال صفدي.
"راجعوا حساباتكم وأعطونا الأجوبة الشافية"
أمّا أمين حوّا (أبو عيسى)، فقد أكّد – بدوره – أيضًا، أنّه "لا يحقّ لأحد الحديث نيابة عنّي.. فكيف يقرّر حسين إغباريّة التحدّث بدلًا منّي في أمور تتعلّق بي. فأنا هو مَن يسكن في مبنى "هتسيونوت" (الجبل) 20 لا هو!! وكيف توافق البلديّة على إلغاء مشروعها بعد أن حاربت من أجله؟؟!! كان من المفترض دراسة الأمور بشكل مغاير. نريد أجوبةً من البلديّة عن تساؤلاتنا هذه".
وأشار حوّا إلى أنّه تعرّض – قبل أيّام عديدة – إلى حادث دهس بجوار منزله من جرّاء وضع الشارع المتردّي والسياقة المتهوّرة، قائلًا: "لقد حان الوقت لتغيير ما كان يجب تغييره قبل عشرات السنوات، وللبلديّة أقول: راجعوا حساباتهم وأعطونا الأجوبة الشافية".
"ليس مجرّد محلّ عاديّ"!
ولدى زيارتي لمحلّ الزَّجّاج (القزّاز) محمّد رمضاني لسماع رأيه؛ كونه أحد أصحاب الشأن الرئيسيّين، ومحلّه أوّل المحالّ الّتي كان من المفترض هدمها حسَب المخطّط، عقّب على قرار البلديّة، إلغاء مشروع توسيع شارع الجبل أو ما يُعرف بمخطّط 1807، بالقول: "أعود بك سنواتٍ إلى الوراء، إلى ما قبل عشرات السنوات، حين ذِيع خبر توسيع الشارع، ومعه خبر هدم عشرات المباني، ومن ضمنها محلّي الّذي أعمل فيه والّذي ورثته عن والدي.. يصعب وصف شعور تعلّقي بالمحلّ بالكلمات، حيث تربطني بهذا المحلّ علاقة قويّة جدًّا، فهو ليس مجرّد محلّ عاديّ أعمل فيه، بل أكثر من ذلك بكثير، فهو يعنيني كثيرًا. والدي – من قبلي – كان يعمل في هذا المحلّ، لذا تربطني به علاقة وثيقة منذ ولادتي.. ذكرياتي وحياتي ورزقي متعلّقة بهذا المحلّ الّذي أعمل فيه".
وأضاف: "أقول لك بكلّ صراحة، إنّه عندما وصلني خبر توسيع الشارع وهدم بعض المنازل والمحالّ، وبضمنها المحلّ الّذي أعمل فيه، وقع الخبر عليّ كالصاعقة، وحزنت كثيرًا، وتعاملت مع الأمور بشكل عاطفيّ أكثر منه عقليًّا، وكنت من أشدّ المعارضين لهذا المشروع، من دون الوقوف على أدقّ تفاصيله، متأثّرًا بردّة فعلي العاطفيّة، وشعرت، حينها، بأنّ هدم المحلّ معناه القضاء عليّ وهدم حياتي.."!
"يهدف المشروع إلى تحسين الحيّ وتطويره"
واستطرد، قائلًا: "إلّا أنّه – وبعد اجتماعات عدّة مع رئيس البلديّة، حينها، عمرام متسناع، ودراسة المشروع ومناقشته – بدأت أدرك المشروع وتفهّمه، أيضًا، حيث إنّ العاطفيّة وردّة الفعل العفويّة بدأ تأثيرهما يتراجع تدريجيًّا لصالح التفكير السليم والجادّ في المشروع. وفهمت – بعد اجتماعاتي إلى البلديّة – أنّ المشروع يهدف – في نهاية المطاف – إلى خدمة أهل الحيّ من حيث السكن وحركة السير وتفعيل المحالّ التجاريّة؛ فهذا المشروع سينعش المِنطقة بأسرها ويطوّرها. وإنّ هذه الخُطّة، أساسًا، منذ عهد الانتداب البريطانيّ، وقد قامت بلديّة حيفا بتحديثها".
وأشار رمضاني إلى أنّه مع مرور الوقت أصبح يشعر بأنّ من واجبه تأييد المشروع، حيث بدأ يدرك أنّ المشروع سيساهم في تنشيط الحركة التجاريّة وإنعاش حيّ وادي النسناس وتحسين ظروف سكّانه. وأكّد أنّه "أصبحت أشعر بأنّني أقف حجر عثرة أمام تنفيذ هذا المشروع؛ كما أشعر، أحيانًا، بالذنب؛ كوني من أكثر المعارضين – سابقًا – لهذا المشروع، بأن أمنع عن حيّ وادي النسناس فرصة التطوّر والتحسّن؛ من جرّاء تعنّتي".
تغيير موقف متعنّت!
"وما الّذي دفعك إلى تغيير موقفك المتعنّت؟" – سألته. فأجابني، مبتسمًا: "بعد عدّة لقاءات مع رئيس البلديّة ومسؤولين ومهندسين، واطّلاعي على تفاصيل المشروع، والاستماع إلى شرح وافٍ ومفصّل من خلال مجسَّم للمشروع، تأكّدت من أنّ المشروع يهدف إلى تطوير المِنطقة وتحسينها، وليس إلى خلاف ذلك. وبعد التأكّد من أنّ المشروع لا يهدف إلى هدم المباني التاريخيّة بل إنّه سيحافظ عليها.. أصررت على أن أدعم المشروع؛ فالمباني المنوي هدمها قديمة وغالبيتها آيلة إلى السقوط".
وأضاف رمضاني: "إلّا أنّ هذا لا يعني أنّه يجب التنازل عن تعويض ماليّ مناسب مقابل التنازل عن المسكن أو المحلّ، فكلّنا يرغب بتعويض مادّيّ. ولكنّ السؤال يدور حول هذا التعويض أيضًا، هل سنتلقّى تعويضًا مناسبًا، فعلًا، مقابل الموافقة على هدم أماكن سكنانا أو محالّنا التجاريّة؟ فالمبلغ الماليّ الّذي يجب دفعه، يجب ألّا يغطّي القيمة الفعليّة للمكان نفسه فحسْب، بل القيمة المعنويّة أيضًا؛ فكلّ منّا يصعب عليه التنازل عن مكان ترعرع فيه، مكان فيه كلّ ذكرياته، مكان يعيش من ورائه، ومن الصعب التنازل عن الجيرة المميّزة والحسنة في الحيّ بسهولة.. فالمبلغ الماليّ الّذي من المفترض أن يُعرض على المتضرّرين أكبر من السعر المتداول في الأسواق.. علينا أن نحصل على تعويض لائق"!
خسرنا فرصة تاريخيّة لتحقيق ما كنّا نصبو إليه!
وأشار رمضاني إلى أنّ انتشار خبر هدم المنازل قبل أكثر من عشر سنوات، لهدف توسيع شارع الجبل، وقع كالصاعقة، بدايةً، على ذوي الشأن، من دون دراسته، إلّا أنّه لاحقًا، بدأت الغالبية التفكير في المشروع، بعد الوقوف على تفاصيله، وبدأت تغيّر رأيها فيه.. "فكيف سمحنا لأنفسنا بالبقاء على ما نحن عليه، وكانت أمامنا فرصة تاريخيّة لتحسين ما كنّا نصبو إليه؟" – يتساءَل محمّد رمضاني.
واختتم محمّد رمضاني أقواله، مؤكّدًا أنّ حسين إغباريّة الّذي يَعتبر نجاحه في إيقاف مشروع توسيع شارع الجبل إنجازًا، لم يستشِر كثيرين في طلبه هذا، مشيرًا إلى أنّه "لم يأتِ حسين إغباريّة للتشاور معي أو لزيارتي في هذا الشأن، ولو مرّة واحدة، فكيف له أن يقرّر بالنيابة عنّي؟!"
وذكّر رمضاني – في ختام حديثه – بأنّه كان من أشدّ المعارضين للمشروع، قلبًا وقالَبًا، ولكنّه أصبح من المشجّعين للمشروع؛ بعد الوقوف على تفاصيله الهادفة إلى تحسين ظروف سكّان الحيّ وعمل المحالّ التجاريّة، مقابل تعويضات ماليّة مناسبة، وليس مجرّد مبلغ ماليّ عاديّ.
أنا واثق من أنّ هذا الملفّ الّذي فتحناه في صحيفة "حيفا" لن يُغلق قريبًا؛ - على الرّغم من إلغاء المشروع - لأنّه ما زال هناك العديد ممّن ينوون الحديث وإبداء رأيهم في هذا الخصوص.. ونحن – بدورنا – طلبنا تعقيب بلديّة حيفا على كلّ ما ورد في هذا التقرير، وخصوصًا في شأن تبنّيها طلب جمعيّة التطوير الاجتماعيّ وبعض المعترضين، من دون استشارة جميع أصحاب الشأن، معلنةً إيقاف العمل على مشروع توسيع شارع الجبل. كما طلبنا تعقيب حسين إغباريّة (مدير عامّ جمعيّة التطوير الاجتماعيّ) في شأن كلّ ما ورد في هذا التقرير، أيضًا، وخصوصًا التساؤل حول سبب الحديث باسم أصحاب شأنٍ لم يطلبوا منه فعل ذلك!!
وها نحن نورد – فيما يلي – تعقيب كليهما كما وصلانا، حرفيًّا:
تعقيب حسين إغباريّة (مدير عامّ جمعيّة التطوير الاجتماعيّ)
"يبدو من السؤال أنّ هناك أناسًا في مجتمعنا لا يعرفون ماذا تعني مؤسّسات المجتمع المدنيّ ودور الجمعيّات أو طريقة عملها، أو أنّهم متمحورون حول أنفسهم لا يرون المجتمع!!
بالنسبة للقضيّة المطروحة نوضّح ما يلي:
- الاعتراضات على مخطّط شارع الجبل المذكور كانت جماعيّة. ولدينا كتاب الاعتراضات الذي يشمل تفصيلًا لكلّ الاعتراضات الّتي قدّمها 36 شخصًا وجِهَة رأوا أنفسهم متضرّرين بهذا الشكل أو ذاك من المخطّط.
- جمعيّة التطوير الاجتماعيّ كانت بين المعترضين، بوصفها منظّمة ذات صفة قانونيّة بحدّ ذاتها. صحيح أنّها كانت نشطة في تنظيم الأهالي وإثارة الموضوع، لكنّها لم تمثّلهم في هذه القضيّة ولم تحلّ محلّهم؛ بدلالة أنّ 35 شخصًا وجهة غيرها قدّموا اعتراضات خطّيّة على المخطّط.
- بادرت الجمعيّة إلى استئجار خِدْمات مهندسين مختصّين درسوا المخطّط وأعدّوا – بطلب من الجمعيّة – مُقترحًا – بديلًا للتطوير أقلّ ضررًا لأهلنا في مِنطقة المخطّط المذكور. وجاءت الاعتراضات على هذا الأساس المهْنيّ المدروس.
- الجمعيّة – في أساس عملها – مع التطوير والتحسين والتغيير في كلّ نواحي حياتنا، كمجتمع وأحياء ومواطنين، لكنّها تصرّ أن تأخذ الجهات المسؤولة برأي المواطنين ومصالحهم وتطلّعاتهم، وأن تشركهم في الحوار والاستطلاع في كلّ مرّة تقدِم فيها على وضع مشروع أو مخطّط (...) كما هي أسس التخطيط الحديثة. فللمواطنين – لمن لا يعرف – حقّ المشاركة في التخطيط في مناطق سكناهم. وهو ما نصرّ عليه مع حفظ حقوق الجميع في إبداء مواقفهم وآرائهم من هذه المشاريع تأييدًا أو معارضة.
- الجمعيّة في موقفها المفصّل آنفًا إنّما تحرص، دائمًا، على خدمة المجتمع ورؤية مصلحته ومراعاة احتياجاته، من دون أن تنوب عنه."
تعقيب بلديّة حيفا
قرّرت اللجنة المحلّيّة – بالتنسيق مع شِرْكة "يافه نوف" – عدم دفع المشروع، وبالتالي إلغاء إيداعه.(!)
فقد تمّ – في السنوات الأخيرة – إنشاء "الميدان" بين جادّة "هتسيونوت" (الجبل) وشارع "أللنبي"، واتّضح عدم حاجة المشروع وإمكانيّة إلغائه، لذا قرّرت اللجنة المحلّيّة إلغاءَه.(!!)
سامية عرموش، الناطقة بلسان رئيس بلديّة حيفا للمجتمع العربيّ"
من الواضح، إذًا، أنّ بلديّة حيفا قد اتّخذت قرارًا بإلغاء المشروع – وغالبًا، لا رجعة فيه – بناءً على توجّهات جمعيّة التطوير الاجتماعيّ، ومطالب عدد من المعترضين.. قد يُغلق الملفّ هنا، ولكن – على ما يبدو – سيُثير هذا الملفّ تساؤلات جديدة وسيطالب باستفسارات عديدة، في كلّ ما يتعلّق بكيفيّة التعامل فيما بيننا، وتعاملنا، نحن، مع البلديّة في مشاريع وأمور عديدة، يراها البعض ضروريّة، ملحّة، وهامّة؛ ويراها البعض الآخر من منظار مغاير، ويرى إليها تهديدًا لوجودنا وبقائنا وتغييرًا لمعالمنا الفِلَسطينيّة..
ويبقى السؤال: مَن هو الرابح ومَن هو الخاسر من وراء إلغاء هذا المشروع؟!! ولماذا؟!!
[email protected]
أضف تعليق