منذ الأول من اكتوبر وحتى الثامن منه، سقط 13 شهيدًا من فلسطينيي الداخل، هذه التواريخ ولدت مأساة جديدة، وكانت نقطة مفصلية في العلاقة بين الحكومة الاسرائيلية والمواطنين العرب في البلاد.
الثامن والعشرين من أيلول 2000
أحداثٌ مؤلمة اشتعلت بعد زيارة أرييل شارون (حزب الليكود) لمنطقة الحرم الشريف محاطاً بعشرات الجنود. في أعقاب الزيارة، تظاهر الاَلاف من الفلسطينيين، في المسجد الأقصى ، وقامت قوات الأمن الإسرائيلية بإطلاق النار على المتظاهرين. واندلعت بعد هذه الأحداث صدامات عنيفة في الأراضي المحتلة، أدت إلى موت وجرح العديد من الفلسطينيين، وكانت إنطلاقة لإنتفاضة الأقصى المستمرة.
الثلاثين من أيلول 2000
دعت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، المواطنين العرب في الداخل الى الإضراب العام تضامناً مع أبناء شعبهم في الأراضي المحتلة. وخرج المواطنون العرب في يوم الغد بمظاهرات الإحتجاج في معظم القرى والمدن العربية في إسرائيل.
وقد لاقت هذه المظاهرات رداً عنيفاً من قبل قوات الشرطة الإسرائيلية التي فتحت النار على المتظاهرين واستخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المعدني المغلف بالمطاط والذخيرة الحية. وقد أدت أحداث الأول من أكتوبر 2000 إلى وفاة وجرح العشرات من المواطنين العرب من قبل رصاص الشرطة الإسرائيلية. ففي أم الفحم قتل رميًا بالرصاص محمد أحمد جبارين (23).
الأول وحتى الثامن من اكتوبر 2000
الأحداث مستمرة- وفاة احمد جبارين من معاوية (18 عامًا) متأخرًا بجراحه التي اصيب بها في الثلاثين من ايلول. اصابة إياد لوابنة ووفاته متأخرًا (26 عامًا)، اصابة رامي غرة (21) من جت المثلث واعلان وفاته. وجرحى كثر..
هذا بالاضافة إلى إصابة الكثيرين في أماكن مختلفة برصاص الشرطة الموجه إليهم. وفي الثاني من تشرين الثاني 2000، وصل عدد المواطنين العرب القتلى في أكتوبر إلى ذروته. ففي ذلك اليوم استشهد خمسة مواطنين عرب: علاء نصار (18) وأسيل عاصلة (17) من عرابة؛ عماد غنايم (25) ووليد أبو صالح (21) من سخنين؛ مصلح أبو جراد (19) من غزة والذي استشهد في أم الفحم. كما أصيب الكثيرون بنيران الشرطة إياها. وفي الثالث من تشرين الثاني 2003، أصيب محمد خمايسي (19) من كفر كنا بالرصاص واستشهد في اليوم التالي. كما أصيب رامز بشناق (24) من كفر مندا بالرصاص واستشهد في نفس اليوم. وفي الثامن من تشرين الثاني 2000، هاجم سكان "نتسيرت عيليت" اليهود الحيَّ الشرقيَّ في مدينة الناصرة. ووجهت الشرطة أسلحتها باتجاه المتظاهرين من سكان الناصرة العرب فقط، والذين خرجوا ردًا على التهجم عليهم من جهة "نتسيرت عيليت". ونتيجة لرصاص الشرطة استشهدا عمر عكاوي (27) ووسام يزبك (25) من الناصرة وأصيب كثيرون آخرون.
ولم يكن صدفةً إستعمال الشرطة للوسائل الفتاكة، في تعاملها مع مظاهرات الاحتجاج للمواطنين العرب في اكتوبر 2000، ولا سيما اطلاق رصاص القناصة. وقد تبين لطاقم عدالة من خلال إطّلاعه على الوثائق الموجودة أمام لجنة التحقيق، أن الخطط التي تدربت عليها الشرطة للتعامل مع مظاهرات واسعة في المجتمع العربي شملت بشكل واضح استعمال وسائل قمع شديدة، بما فيها الاستعانة بالقناصة. وكانت أبرز هذه الخطط تلك المدعوة بـ "كيسم هامنغيناه" والتي تدربت قوات الشرطة على أوامرها أكثر من مرة، وصولا الى "لعبة الحرب" التي أجريت في مركز تدريب الشرطة في شفاعمرو، قبل شهر واحد فقط من مظاهرات أكتوبر 2000. وقد إفتتحت الشرطة هذا الاجتماع، الذي شمل قيادات الشرطة والجيش و"الشاباك".
من الوثائق التي تمّ الكشف عنها انّ قيادة الشرطة نفذت اوامرها بنائها على قرار من رئيس الحكومة انذاك ايهود براك اصدرها في بيته مع قيادة الشرطة باشتراك شلومو بن عامي، وزير الأمن الداخلي آنذاك، في الليلة بين 1.10.2000 و 2.10.2000. وسمح براك خلال هذه الجلسة للشرطة باستعمال كافة الوسائل في التعامل مع المتظاهرين العرب، على الرغم من علمه وعلم كل من تواجد في هذا الاجتماع الحاسم، باستشهاد شاب في منطقة أم الفحم وإصابة العديد من الشبان هناك، جراء إطلاق قوات الشرطة للنار. ولم ينجح براك حتى اليوم في إظهار أي توثيق لما جرى في هذا الاجتماع، الا أن هناك روايات متناقضة رواها مساعدوه حول سبب عدم وجود مثل هذا التوثيق.
الاعتقالات
وفقاً لإحصائيات وزارة القضاء، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية بين 28 أيلول و 30 تشرين الأول 2000، 660 مواطن عربي و 340 يهودياً لأعمال ذات علاقة بأحداث تلك الفترة. وتراوحت أسباب إعتقال المواطنين العرب من مجرد وجودهم في مكان المظاهرات التي خرجت من المدن والقرى العربية في أنحاء البلاد، إلى قيامهم بإغلاق الشوارع المؤدية إلى المناطق العربية وحرق الإطارات ورمي الحجارة وأحياناً المولوتوف على الشرطة، بدون إيذاء أي شخص، إلى أعمال أخرى أدت إلى إلحاق الضرر بعدد من الأشخاص وبممتلكاتهم.
أما المواطنون اليهود فقد أعتقلوا على خلفية اعتداءات على مواطنين عرب. وتمثلت هذه الإعتداءات بترديد هتافات عنصرية تدعو "بالموت للعرب" وأعمال شغب معادية للمواطنين العرب ألحقت الدمار بممتلكاتهم وأماكن عبادتهم. وغالباً ما كانت الشرطة تستخدم وسائل عنيفة ضد المواطنين العرب الذين كانوا يتعرضون للهجوم، بدلاً من مساعدتهم، وتبنت بذلك موقف المواطنين اليهود الذين شنوا الهجمات.
واستمر اعتقال المواطنين العرب طوال شهر تشرين الثاني 2000 لإشتراكهم في التظاهرات في بداية شهر تشرين الأول 2000. وكانت الشرطة تقوم بهذه الإعتقالات في الشوارع وفي مداخل القرى والمدن العربية حيث أقيمت نقاط تفتيش داخلية، وعن طريق القيام بغارات ليلية واقتحام البيوت في العشرات من المناطق العربية في إسرائيل. وأفاد العديد من المواطنين العرب بأن الشرطة عاملتهم بوحشية أثناء هذه الإعتقالات: من الضغط النفسي الشديد إلى التهديد أثناء الإستجواب إلى الضرب للحصول على إعترافات بالقوة تفيد بإشتراكهم في الصدامات. وتم التعامل مع بعض هذه الإعتقالات كقضايا "أمنية" تتولى فيها أجهزة المخابرات العامة ("الشاباك") مسؤولية التحقيق في مرحلة ما قبل تقديم لائحة الإتهام. وأعتقل المواطنون العرب في هذه القضايا بدون أن يسمح لأي شخص بالإتصال معهم لعدة أيام كما منعوا من الإتصال بمحاميهم.
رداً على هذه الإعتقالات الواسعة، دعى مركز عدالة إلى إجتماع طارئ للمحامين العرب حضره أكثر من 140 محامٍ، وتم التأكيد فيه على الحق الأساسي للأقلية العربية في إسرائيل في التعبير عن معارضتها السياسية وعن رأيها السياسي بخصوص الإضطهاد الذي تنتهجه الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. ودعوا إلى إطلاق سراح كل الذين تم اعتقالهم ونددوا بعنف الشرطة ضد مواطني الدولة العرب. كما شكلوا شبكة وطنية وتطوعوا للدفاع عن المتظاهرين السياسيين في مرحلة ما قبل بداية المحاكمة. وركز عدالة عمل المحامين العرب المتطوعين، فقسم البلاد إلى مناطق ووزع المحامون العرب على هذه المناطق للدفاع عن المعتقلين العرب في مرحلة ما قبل بداية المحاكمة.
عدالة تطالب بالتحقيق في استشهاد ثلاثة عشر شهيدًا عربيًا
توجه مركز عدالة للمستشار القضائي للحكومة في 18 اكتوبر مطالباً إياه بإصدار أمر لقسم التحقيق مع الشرطة بإجراء التحقيق في ظروف قتل المواطنين العرب في مظاهرات الإحتجاج في أكتوبر 2000. كما طالب مركز عدالة المستشار القضائي بإصدار أمر بالتحقيق في سياسة إطلاق النار التي تتبعها الشرطة ضد المتظاهرين العرب.
تشكيل لجنة التحقيق الرسميه
في 21 تشرين الأول 2000، عين رئيس الوزراء اَنذاك، إيهود براك، لجنة فحص "لتحري عمل الشرطة خلال الإشتباكات مع المتظاهرين العرب". وقام ذوو الشهداء العرب الثلاثة عشر مع أجسام سياسية، منظمات حقوق إنسان، شخصيات سياسية وأكادميين لإقناع الحكومة بإلغاء لجنة الفحص وتشكيل لجنة تحقيق رسمية تحل محلها. وقد جاءت هذه المطالبة نتيجة لمخاوف حقيقية من أن لجنة الفحص لم تكن تمتلك السلطات القانونية والإستقلال الضروريين للتحقيق في الحوادث التي أدت إلى موت ثلاثة عشر مواطناً عربياًً وجرح المئات غيرهم.
وفي أعقاب هذه المساعي ونتيجة للتخوف من فقدان "أصوات العرب" في الإنتخابات البرلمانية المقبلة، شكلت الحكومة الإسرائيلية في 8 تشرين الثاني 2000 لجنة تحقيق رسمية طبقاً لقانون لجان التحقيق لعام 1968. ويعطي هذا القانون للجنة التحقيق سلطات متعددة بضمنها استدعاء الشهود وفرض حضورهم. وفي 15 تشرين الثاني 2000، عين رئيس المحكمة العليا أهارون براك اللجنة المكونة من ثلاثة أشخاص: قاضي المحكمة العليا ثيودور أور (رئيسا) وأستاذ جامعة تل أبيب والسفير السابق إلى مصر والأردن شمعون شمير ونائب رئيس المحكمة المركزية في نتسيريت عيليت القاضي سهل جراح.
واستقال القاضي جراح من منصبه في حزيران 2001 لأسباب صحية وتم تعيين قاضي المحكمة المركزية في نتسيريت عيليت هاشم خطيب بدلاً منه.
وتم تخويل عدالة من قبل لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل لتمثيلها وتمثيل ذوي الشهداء العرب أمام لجنة التحقيق. وتم تعيين المحامين الثلاثة، رياض أنيس وعزمي عودة ومحمود شاهين، من قبل لجنة المتابعة للعمل مع عدالة في الطاقم القانوني.
واغلقت لجنة التحقيق "لجنة اور" ملفاتها، بتوصياتٍ تتناول وضع الأقلية العربية في البلاد منذ العام 1948، وتتطرق الى التمييز بين العرب واليهود، ولكنها تلوم القيادات العربية وتحملها المسؤولية عما جرى، وتطلب اعادة نظر في العلاقات بين الشعبين العربي واليهودي، ولا تذنّب القتلة، بلا لا تحمّل احدًا من الشرطيين ومن يقف ورائهم المسؤولية.
[email protected]
أضف تعليق